خولف ابن عبد البر من جماهير أهل العلم أن هذا تعديل لمن يحمل العلم بغض النظر عن العمل، وأن كل من عرف بحمل العلم أنه عدل، هذا الكلام يخالفه الواقع، يخالفه الواقع، فإن الواقع يشهد ويثبت بأن ممن يحمل العلم من ليس بعدل، بل يخالف علمه إما بترك مأمور أو بفعل محظور، وعلى هذا يكون معنى الحديث عند من يثبته ويصححه أنه حث للعدول بحمل العلم، وتوجيه لهؤلاء الثقات العدول بحمل العلم، وأن لا يتركوا مجالاً لغيرهم أن يلبسوا على الناس، يشوشوا على الناس، ويضلوا الناس، ويشهد لذلك أو يدل على ذلك رواية:((ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) فهو أمر للعدول بحمل العلم، وأما غير العدول فلا شك أن ضررهم أكثر من نفعهم، وهم في الحقيقة جهال، وظهر أثرهم على مر العصور في تضليل الناس، وهو في وقتنا بسبب انتشار هذه الأقوال التي تلقى من أولئك الفساق عن طريق وسائل الإعلام ودخولها وولوجها إلى الناس في بيوتهم، هذا يدل دلالة واضحة أن ممن يحمل العلم من ليس بعدل، لكن لا ينبغي أن يسمى عالماً، ولا أن يسمى ما يحمله علم، ولو كان لديه معرفة بالأحكام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المخرج في البخاري وغيره يقول:((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقِ عالماً اتخذ النار رؤوساً جهالاً، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) وما يوجد في وقتنا هذا من اضطراب كبير وتناقض وتعارض وتضارب في الفتاوى، إلا نماذج حية نلمسها في واقعنا، وأمثلة ظاهرة لما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اتخذ النار رؤوساً جهالاً)) وإنما يقبض العلم بقبض العلماء، يعني الأمة خسرت ومنيت بوفاة بعض العلماء الربانيين الوارثين لعلم النبوة، لكن بقي -ولله الحمد- بقية صالحة تجمع بين العلم والعمل، وكثر أيضاً من يدعي العلم، ومن يتقمص العلم، ويفتي بغير علم -نسأل الله السلامة والعافية-.