للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - الاعتذار بوقوع مفسدة تضيع معها مصلحة الجهاد، وهي الافتتان ببنات الروم «ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ... » (١) ، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح!!

٤ - الاعتذار بالقياس، حيث طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذرهم كما يعذر من رفع الله عنه الحرج من الضعفاء والمرضى.. «ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ» (٢) .

وغير ذلك من الأعذار المفتعلة التي هي شرعية في فقه المنافقين أو أصول فقههم، وهو فقه كثير الحواشي طويل الذيل لا يخلو منه عصر ولا دعوة. أما ذاك القول الذي لم يصل أن يكون عذراً ولا شبهة في أصول فقه المنافقين فقد أصبح حجة وقاعدة في أصول دين الطوائف الإسلامية التي دانت بعلم الكلام واتبعت أساطينه.

فقد سود أحبار علم الكلام ورهبانه الصحائف، واستنفدوا المحابر للتدليل على أن الجهاد - بل كل الأعمال صغيرها وجليلها - ليست من الإيمان، بل صرح أئمة فيهم بأن نطق كلمة الشهادة - مجرد نطق - ليس منه (٣) .

ورحم الله من قال من السلف في الفرق بين منافقي الصدر الأول والقرون المتأخرة: "كانوا يراءون بما يعملون، فأصبحوا يراءون بما لا يعملون".

حقاً إن مما سهل للمرجئة نشر عقيدتهم أن حقيقة الإسلام الحية لم تكن قائمة في عصور الانحراف، فكان يسيراً عليهم أن يقنعوا أمة غير عاملة بأن العمل ليس من الإيمان، إذ ليس أشهى إلى الكسول من أن يجد ما يبرر كسله، ولكن المعيار الوحيد هو الجيل الأول، ذلك الجيل الذي كان منافقوه يجاهدون ويحجون وينفقون، فلما غابت صورة هذا المعيار عن عقول المرجئة - بل ربما عن عقول بعض مناظريهم من أهل السنة -، وتحول الأمر إلى جدل نظري بالشبهات والتأويلات، استشرى الخطر وعمت البدعة.

وكان على أهل السنة والجماعة - وما يزال - أن يعيدوا الواقع نفسه حياً قائماً ـ ما أمكن -، وأن يستحضروا دائماً صورته وهم يعملون ويناظرون.


(١) [التوبة:٤٩]
(٢) [التوبة:٨٦]
(٣) سيأتي تفصيل هذا في الباب الثالث.

<<  <   >  >>