والمهاجرين في سبيل الله، شيئا من أموالهم.
فالكلام في قوله: «أن يؤتوا» على تقدير حرف الجر، أى: لا يحلفوا على أن لا يؤتوا، وحذف حرف الجر قبل المصدر المنسبك من أن وصلتهما مطرد، ومفعول «يؤتوا» الثاني محذوف. أى: أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله، النفقة التي تعودوا أن يقدموها لهم.
وقوله- تعالى-: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا تحريض على العفو والصفح. والعفو معناه:
التجاوز عن خطأ المخطئ ونسيانه، مأخوذ من عفت الريح الأثر، إذا طمسته وأزالته.
والصفح: مقابلة الإساءة بالإحسان، فهو أعلى درجة من العفو.
أى: قابلوا- أيها المؤمنون- إساءة المسيء بنسيانها، وبمقابلتها بالإحسان.
وقوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ أى: ألا تحبون- أيها المؤمنون أن يغفر الله لكم ذنوبكم، بسبب عفوكم وصفحكم عمن أساء إليكم؟
فالجملة الكريمة ترغيب في العفو والصفح بأبلغ أسلوب، وقد صح أن أبا بكر- رضى الله عنه- لما سمع الآية قال: بلى والله يا ربنا، إنا لنحب أن تغفر لنا، وأعاد إلى مسطح نفقته، وفي رواية: أنه- رضى الله عنه- ضاعف لمسطح نفقته.
قال الآلوسى: «وفي الآية من الحث على مكارم الأخلاق ما فيها. واستدل بها على فضل الصديق- رضى الله عنه- لأنه داخل في أولى الفضل قطعا، لأنه وحده أو مع جماعة سبب النزول، ولا يضر في ذلك الحكم لجميع المؤمنين كما هو الظاهر..» «١» .
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بما يرفع من شأن العفو والصفح فقال: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
أى: والله- تعالى- كثير المغفرة، وواسع الرحمة بعباده، فكونوا- أيها المؤمنون- أصحاب عفو وصفح عمن أساء إليكم.
وبعد أن أمر- سبحانه- المؤمنين بالعفو والصفح عمن استزلهم الشيطان، فخاضوا في حديث الإفك ثم ندموا وتابوا، أتبع ذلك ببيان سوء عاقبة المصريين على خبثهم وعلى محبة إشاعة الفاحشة في صفوف الجماعة الإسلامية فقال- تعالى-:
(١) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ١٢٦.