وخوله من التخويل بمعنى الإعطاء مرة بعد أخرى، ومنه الحديث الشريف: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا أى: يتعهدنا بها وقتا بعد وقت.
وما في قوله نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ موصولة مرادا بها الضر، أو مرادا بها الباري- عز وجل-.
أى: هذا هو حال ذلك الإنسان عند نزول الضّرّ به، فإذا ما كشفنا عنه ضره، وأعطيناه نعما عظيمة على سبيل التفضل منا.. نسى الضر الذي كان يتضرع إلينا من قبل لنزيله عنه، أو نسى الخالق- عز وجل- الذي كشف عنه بقدرته ذلك الضر.
ولم يكتف بهذا النسيان، بل جعل لله- تعالى- أندادا أى: أمثالا وأشباها ونظائر يعبدها من دونه.
واللام في قوله- تعالى-: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ للتعليل. أى فعل ما فعل من جعله شركاء لله- تعالى- في العبادة، ليضل الناس بذلك الفعل عن سبيل الله وعن دينه الذي ارتضاه لعباده.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو لِيُضِلَّ بفتح الياء. أى: ليزداد ضلالا على ضلاله.
وقوله- تعالى-: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ، بيان لسوء عاقبة هذا الإنسان المشرك.
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهذا الإنسان الذي جعل لله شركاء في العبادة ... قل له تمتع بكفرك تمتعا قليلا، أو زمانا قليلا إنك من أصحاب النار الملازمين لها، والخالدين فيها.
ثم نفى- سبحانه- المساواة بين هذا الإنسان المشرك وبين الإنسان الملازم لطاعة ربه فقال: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ ...
وكلمة «أمّن» أصلها «أم» التي بمعنى بل وهمزة الاستفهام. و «من» التي هي اسم موصول وهي هنا مبتدأ وخبره محذوف. والقانت: من القنوت بمعنى ملازمة الطاعة والمواظبة عليها بخشوع وإخلاص.
وآناء الليل: ساعاته: والاستفهام للإنكار والنفي.
أى: بل أمن هو قائم ساعات الليل لعبادة الله- ساجدا وقائما يحذر عذاب الآخرة، ويرجو رحمة ربه، كمن هو جاعل لله- تعالى- شركاء في العبادة؟
مما لا شك أنهما لا يستويان في عرف أى عاقل، وفي نظر أى ناظر.