يأتى يوم القيامة الذي لا شك في مجيئه.. فيقول: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ...
أى استجيبوا- أيها الناس- لدعوة الحق التي دعاكم إليها ربكم وخالقكم، عن طريق الرسول الذي أرسله- سبحانه- إليكم، ولتكن استجابتكم عاجلة في هذه الدنيا، من قبل أن يأتى يوم القيامة الذي لن يستطيع أحد أن يرده أو يدفعه، بعد أن حكم- سبحانه- بمجيئه، وجعل له أجلا محددا لا يتخلف عنه.
ثم بين- سبحانه- حالهم عند مجيء هذا اليوم فقال: ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ.
والملجأ: هو المكان الذي يلجأ إليه الإنسان عند الشدائد والكروب لاتقائها، والنكير بمعنى الإنكار.
أى: ليس لكم في هذا اليوم ملجأ تلتجئون إليه من العذاب، وليس لكم القدرة على إنكار شيء مما اجترحتموه في الدنيا من الكفر والعصيان، لأنه مسجل عليكم، فما نزل بكم من عذاب بسبب كفركم وإعراضكم عن الحق، وشيء أنتم تستحقونه، ولن تجدوا يوم القيامة من ينكر استحقاقكم لهذا العذاب.
قال الآلوسى: قوله- تعالى- وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ أى: إنكار على أنه مصدر أنكر على غير القياس. ونفى ذلك مع قوله- تعالى- حكاية عنهم وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ تنزيلا لما يقع من إنكارهم منزلة العدم، لعدم نفعه وقيام الحجة، وشهادة الجوارح عليهم، أو يقال: إن الأمرين باعتبار تعدد الأحوال والمواقف..» «١» .
ثم بين- سبحانه- وظيفة رسوله صلّى الله عليه وسلّم فقال: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً، إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ ...
أى: فإن أعرض هؤلاء الظالمون عن دعوتك- أيها الرسول الكريم-، فلا تحزن لذلك، فإننا ما أرسلناك لتكون رقيبا على أعمالهم، ومكرها لهم على الإيمان، وإنما أرسلناك لتبلغ دعوة ربك إليهم، ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ومن شاء فليكفر.
والمراد بالإنسان في قوله- سبحانه-: وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها جنسه الشامل للجميع والمراد بالرحمة: ما يشمل الغنى والصحة وغيرهما من النعم.