للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالسَّلَامَةُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعُودُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى الرَّسُولِ. قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ على الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ: سُبُلُ السَّلَامِ، قِيلَ دِينُ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: السَّلَامُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَسُبُلُهُ دِينُهُ الَّذِي شَرَعَهُ. وَقِيلَ:

طُرُقُ الْجَنَّةِ. وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَسَلَّامٌ، وَحُمَيْدٌ، وَمُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ: بِهُ اللَّهُ بِضَمِّ الْهَاءِ حَيْثُ وَقَعَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَابْنُ شِهَابٍ: سُبْلَ سَاكِنَةَ الْبَاءِ.

وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ أَيْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ، أَيْ بِتَمْكِينِهِ وَتَسْوِيغِهِ. وَقِيلَ: ظُلُمَاتُ الْجَهْلِ وَنُورُ الْعِلْمِ.

وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ هُوَ دِينُ اللَّهِ وَتَوْحِيدُهُ. وَقِيلَ: طَرِيقُ الْجَنَّةِ. وقيل:

ريق الْحَقِّ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْجُمَلَ كُلَّهَا مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى، وَتُكَرَّرُ لِلتَّأْكِيدِ، وَالْفِعْلُ فِيهَا مُسْنَدٌ إِلَيْهِ تَعَالَى.

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ قَالُوا بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ حَقِيقَةً، وَحَقِيقَةُ مَا حَكَاهُ تَعَالَى عَنْهُمْ يُنَافِي أَنْ يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الْمَسِيحُ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا ابْنُ مَرْيَمَ، وَمَنْ كَانَ ابْنَ امْرَأَةٍ مَوْلُودًا مِنْهَا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ. فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ قَائِلُونَ هَذَا الْقَوْلَ وَهُمْ عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مَقَالَاتُهُمْ عَلَى أَنَّ مَعْبُودَهُمْ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ أَقَانِيمُ ثَلَاثَةٌ: الْأَبُ، وَالِابْنُ، وَالرُّوحُ أَيِ الْحَيَاةُ وَيُسَمُّونَهَا رُوحَ الْقُدُسِ. وَأَنَّ الِابْنَ لَمْ يَزَلْ مَوْلُودًا مِنَ الْأَبِ، وَلَمْ يَزَلِ الْأَبُ وَالِدًا لِلِابْنِ، وَلَمْ تَزَلِ الرُّوحُ مُنْتَقِلَةً بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ.

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ لَاهُوتٌ وَنَاسُوتٌ أَيْ: إِلَهٌ وَإِنْسَانٌ. فَإِذَا قَالُوا: الْمَسِيحُ إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَقَدْ قَالُوا اللَّهُ هُوَ الْمَسِيحُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ القائلين هذا الْقَوْلِ فِرْقَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ يقولون: إن الكلمة اتخذت بِعِيسَى سَوَاءٌ قُدِّرَتْ ذَاتًا أَمْ صِفَةً. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْيَعْقُوبِيَّةَ مِنَ النَّصَارَى هِيَ الْقَائِلَةُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ.

قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: وَكُلُّ طَوَائِفِهِمُ الثَّلَاثَةُ الْيَعْقُوبِيَّةُ، وَالْمَلْكَانِيَّةُ، وَالنَّسْطُورِيَّةُ، يُنْكِرُونَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَالَّذِي يُقِرُّونَ بِهِ أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ إِلَهٌ. وَإِذَا اعْتَقَدُوا فِيهِ أَنَّهُ إِلَهٌ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَنَّهُ اللَّهُ انْتَهَى. وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ نَصَارَى بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ مَنْ كَانَ يَنْتَمِي إِلَى الْعِلْمِ فِيهِمْ، وَذَكَرَ لِي أَنَّ عِيسَى نَفْسَهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَنَصَارَى الْأَنْدَلُسِ مَلْكِيَّةٌ.

قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَقُولُ ذَلِكَ، وَمِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ عِيسَى كَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَتَعَجَّبَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>