للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي لَوْنٍ وَطَعْمٍ ... وَقَلَّ بَشَاشَةَ الْوَجْهِ الْمَلِيحِ

يَرْوِيهِ بَشَاشَةَ الْوَجْهِ الْمَلِيحِ عَلَى الْإِقْوَاءِ، وَيُرْوَى بِنَصْبِ بَشَاشَةٍ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ، وَرَفْعِ الْوَجْهِ الْمَلِيحِ. وَلَيْسَ بِلَحْنٍ، قَدْ خَرَّجُوهُ عَلَى حَذْفِ التَّنْوِينِ مِنْ بَشَاشَةٍ، وَنَصْبِهِ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَحَذْفُ التَّنْوِينِ لِالْتِقَاءِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ. قَدْ جَاءَ فِي كَلَامِهِمْ قُرِئَ: أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ «١» وَرُوِيَ وَلَا ذَاكِرَ اللَّهَ بِحَذْفِ التَّنْوِينِ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: كَتَبْنَا. وَقَالَ قَوْمٌ بِقَوْلِهِ:

مِنَ النَّادِمِينَ، أَيْ نَدِمَ مِنْ أَجْلِ مَا وَقَعَ. وَيُقَالُ: أَجَلَ الْأَمْرَ أَجَلًا وَآجِلًا إِذَا اجْتَنَاهُ وَحْدَهُ. قَالَ زُهَيْرٌ:

وَأَهْلُ خِبَاءٍ صَالِحٌ ذَاتُ بَيْنِهِمْ ... قَدِ احْتَرَبُوا فِي عَاجِلٍ أَنَا آجِلُهْ

أَيْ جانبه، وَنَسَبَ هَذَا الْبَيْتَ ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى جَوَابٍ، وَهُوَ فِي دِيوَانِ زُهَيْرٍ. وَالْمَعْنَى: بِسَبَبِ ذَلِكَ. وَإِذَا قُلْتَ: فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِكَ، أَرَدْتُ أَنَّكَ جَنَيْتَ ذَلِكَ وَأَوْجَبْتَهُ. وَمَعْنَاهُ وَمَعْنَى مِنْ جَرَّاكَ وَاحِدٌ أَيْ: مِنْ جَرِيرَتِكَ. وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْقَتْلِ أَيْ: مِنْ جَنْيِ ذَلِكَ الْقَتْلِ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَيِ: ابْتِدَاءِ الْكَتْبِ، وَنَشَأَ مِنْ أَجْلِ الْقَتْلِ، وَيَدْخُلُ عَلَى أَجْلِ اللَّامِ لِدُخُولِ مِنْ، وَيَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ وَاتِّصَالِ الْفِعْلِ إِلَيْهِ بِشَرْطِهِ فِي الْمَفْعُولِ لَهُ. وَيُقَالُ: فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِكَ وَلِأَجْلِكَ، وَتُفْتَحُ الْهَمْزَةُ أَوْ تُكْسَرُ. وَقَرَأَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ: بِكَسْرِهَا وَحَذْفِهَا وَنَقْلِ حَرَكَتِهَا إِلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا، كَمَا قَرَأَ وَرْشٌ بِحَذْفِهَا وَفَتْحِهَا وَنَقْلِ الْحَرَكَةِ إِلَى النُّونِ. وَمَعْنَى كَتَبْنَا أَيْ: كُتِبَ بِأَمْرِنَا فِي كُتُبٍ مُنَزَّلَةٍ عَلَيْهِمْ تَضَمَّنَتْ فَرْضَ ذَلِكَ، وَخُصَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالذِّكْرِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمْ أُمَمٌ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ قَتْلُ النَّفْسِ وَكَانَ الْقِصَاصُ فِيهِمْ، لِأَنَّهُمْ عَلَى مَا رُوِيَ أَوَّلُ أُمَّةٍ نَزَلَ الْوَعِيدُ عَلَيْهِمْ فِي قَتْلِ النَّفْسِ، وَغِلَظُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ طُغْيَانِهِمْ وَسَفْكِهِمُ الدِّمَاءَ، وَلِتَظْهَرَ مَذَمَّتُهُمْ فِي أَنْ كُتِبَ عَلَيْهِمْ هَذَا، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَرْعَوُونَ وَلَا يَفْقَهُونَ، بَلْ هَمُّوا بِقَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظُلْمًا. وَمَعْنَى بِغَيْرِ نَفْسٍ: أَيْ بِغَيْرِ قَتْلِ نَفْسٍ فَيَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ. وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ إِلَّا بِإِحْدَى مُوجِبَاتِ قَتْلِهِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ فَسَادٍ، هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى نَفْسٍ أَيْ: وَبِغَيْرِ فَسَادٍ، وَالْفَسَادُ قِيلَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ. وَقِيلَ: قَطْعُ الطَّرِيقِ، وَقَطْعُ الْأَشْجَارِ، وَقَتْلُ الدَّوَابِّ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَحَرْقُ الزَّرْعِ وَمَا يَجْرِي مجراه، وهو


(١) سورة الإخلاص: ١١٢/ ١- ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>