للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير الواجب مِنْ حَيْثُ انْتَصَبَ مَا بَعْدَ الْفَاءِ وَالْوَاوِ وَمَعْنَاهَا وَمَعْنَى الْفَاءِ مُخْتَلِفَانِ أَلَا تَرَى.

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ. لَوْ أُدْخِلَتِ الْفَاءُ هُنَا لَأَفْسَدَتِ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا أَرَادَ لَا يَجْتَمِعُ النَّهْيُ وَالْإِتْيَانُ وَتَقُولُ: لا تأكل السمك وتشرب اللَّبَنَ لَوْ أَدْخَلْتَ الْفَاءَ فَسَدَ الْمَعْنَى انْتَهَى كَلَامُ سِيبَوَيْهِ مُلَخَّصًا. وَبِلَفْظِهِ وَيُوَضِّحُ لَكَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِجَوَابٍ انْفِرَادُ الْفَاءِ دُونَهَا بِأَنَّهَا إِذَا حُذِفَتِ انْجَزَمَ الْفِعْلُ بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، إِلَّا إِذَا نَصَبَتْ بَعْدَ النَّفْيِ وَسَقَطَتِ الْفَاءُ فَلَا يَنْجَزِمُ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْأَفْعَالُ الثَّلَاثَةُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مُتَمَنَّاةٌ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَهَا لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُتَمَنًّى وَحْدَهُ إِذِ التَّقْدِيرُ كَمَا قُلْنَا يَا لَيْتَنَا يَكُونُ لَنَا رَدٌّ مَعَ انْتِفَاءِ التَّكْذِيبِ وَكَوْنٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ وَلا نُكَذِّبَ بِالرَّفْعِ وَنَكُونَ بِالنَّصْبِ وَيَتَوَجَّهُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. وَكَانَ قَدْ قَدَّمَ أَنَّ رَفْعَ وَلَا نُكَذِّبَ وَنَكُونَ فِي قِرَاءَةِ بَاقِي السَّبْعَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: الْعَطْفُ عَلَى نُرَدُّ فَيَكُونَانِ دَاخِلَيْنِ فِي التَّمَنِّي. وَالثَّانِي الِاسْتِئْنَافُ وَالْقَطْعُ، فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ يَسُوغَانِ فِي رَفْعِ وَلا نُكَذِّبَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَا نُكَذِّبَ بِالْفَاءِ وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ فَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا أَبَدًا وَنَكُونَ. وَحَكَى أَبُو عَمْرٍو أَنَّ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ وَنَحْنُ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَجَوَّزُوا فِي رَفْعِ وَلا نُكَذِّبَ ونَكُونَ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ فَتَلَخَّصَ فِي الرَّفْعِ ثلاثة أوجه.

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى نُرَدُّ فَيَكُونَ انْتِفَاءُ التَّكْذِيبِ وَالْكَوْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ دَاخِلَيْنِ فِي التَّمَنِّي أَيْ وَلَيْتَنَا لَا نُكَذِّبُ، وَلَيْتَنَا نَكُونُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَكُونُ هَذَا الرَّفْعُ مُسَاوِيًا فِي هَذَا الْوَجْهِ لِلنَّصْبِ لِأَنَّ فِي كِلَيْهِمَا الْعَطْفَ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ جِهَتَاهُ، فَفِي النَّصْبِ عَلَى مَصْدَرٍ مِنَ الرَّدِّ مُتَوَهَّمٍ وَفِي الرَّفْعِ عَلَى نَفْسِ الْفِعْلِ. (فَإِنْ قُلْتَ) : التَّمَنِّي إِنْشَاءٌ وَالْإِنْشَاءُ لَا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ فَكَيْفَ جَاءَ قَوْلُهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وظاهره أن الله أكذبهم في تمنيهم فالجواب مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ إِخْبَارًا مِنَ اللَّهِ أَنَّ سَجِيَّةَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ هِيَ الْكَذِبُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ حِكَايَةً وَإِخْبَارًا عَنْ حَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا لَا تَعَلُّقَ بِهِ بِمُتَعَلِّقِ التَّمَنِّي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا التَّمَنِّيَ قَدْ تَضَمَّنَ مَعْنَى الْخَبَرِ وَالْعِدَّةِ فَإِذَا كَانَتْ سَجِيَّةُ الْإِنْسَانِ شَيْئًا ثُمَّ تَمَنَّى مَا يُخَالِفُ السَّجِيَّةَ وَمَا هُوَ بَعِيدٌ أَنْ يَقَعَ مِنْهَا، صَحَّ أَنْ يُكَذَّبَ عَلَى تَجَوُّزٍ نَحْوَ لَيْتَ اللَّهَ يَرْزُقُنِي مَالًا فَأُحْسِنَ إِلَيْكَ وَأُكَافِئَكَ عَلَى صَنِيعِكَ، فَهَذَا مُتَمَنٍّ فِي مَعْنَى الْوَاعِدِ وَالْمُخْبِرِ فَإِذَا رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يُحْسِنْ إِلَى صَاحِبِهِ وَلَمْ يُكَافِئْهُ كَذَبَ وَكَانَ تَمَنِّيهِ فِي حُكْمِ مَنْ قَالَ: إِنْ رَزَقَنِي اللَّهُ مَالًا كَافَأْتُكَ عَلَى إِحْسَانِكَ، وَنَحْوَ قَوْلِ رَجُلٍ شِرِّيرٍ بَعِيدٍ مِنْ أَفْعَالِ الطَّاعَاتِ: لَيْتَنِي أَحُجُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>