للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي مَكَانِ الْخَوْفِ أُبْرِزَ الِاسْتِفْهَامُ فِي صُورَةِ الِاحْتِمَالِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ هُوَ الْآمِنُ لَا هُمْ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

فَلَئِنْ لَقِيتُكَ خَالِيَيْنِ لتعلمن ... أبي وَأَيُّكَ فَارِسُ الْأَحْزَابِ

أَيْ أَيَّنَا وَمَعْلُومٌ عِنْدَهُ أَنَّهُ هُوَ فَارِسُ الْأَحْزَابِ لَا الْمُخَاطَبُ وَأَضَافَ أَيًّا إِلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَيَعْنِي فَرِيقَ الْمُشْرِكِينَ وَفَرِيقَ الْمُوَحِّدِينَ وَعَدَلَ عَنْ أَيُّنَا أَحَقُّ بِالْأَمْنِ أَنَا أَمْ أَنْتُمْ احْتِرَازًا مِنْ تَجْرِيدِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَزْكِيَةً لَهَا، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ أَيْ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ ذَوِي الْعِلْمِ وَالِاسْتِبْصَارِ فَأَخْبِرُونِي أَيُّ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ.

الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا اسْتَفْهَمَهُمُ اسْتِفْهَامَ عَالِمٍ بِمَنْ هُوَ الْآمِنُ وَأَبْرَزَهُ فِي صُورَةِ السَّائِلِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ اسْتَأْنَفَ الْجَوَابَ عَنِ السُّؤَالِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُحْتَمَلِ فَقَالَ: الْفَرِيقُ الَّذِي هُوَ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ كَلَامِ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ أَجَابُوا بِمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ:

هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَقُولَهُ لِقَوْمِهِ أَوْ قَالَهُ عَلَى جِهَةِ فَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ وَبَيْنَ مَنْ حَاجَّهُ قَوْمُهُ، وَاللَّبْسُ الْخَلْطُ والَّذِينَ آمَنُوا: إِبْرَاهِيمُ وَأَصْحَابُهُ وَلَيْسَتْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَالَهُ عَلِيٌّ وَعَنْهُ إِبْرَاهِيمُ خَاصَّةً أَوْ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ أَوْ عَامَّةٌ قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالظُّلْمُ هُنَا الشِّرْكُ قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيٌّ،

وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ أَشْفَقَ الصَّحَابَةُ وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ:

إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»

«١» وَلَمَّا قَرَأَهَا عُمَرُ عَظُمَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَ أُبَيًّا فَقَالَ: إِنَّهُ الشِّرْكُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَسُرِّيَ عَنْهُ وَجَرَى لِزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ مَعَ سَلْمَانَ نَحْوٌ مِمَّا جَرَى لِعُمَرَ مَعَ أُبَيٍّ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ: وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِشِرْكٍ وَلَعَلَّ ذَلِكَ تَفْسِيرُ مَعْنًى إِذْ هِيَ قِرَاءَةٌ تُخَالِفَ السَّوَادَ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ لَمْ يَخْلِطُوا إِيمَانَهُمْ بِمَعْصِيَةٍ تُفَسِّقُهُمْ وَأَبَى تَفْسِيرَ الظُّلْمِ بِالْكُفْرِ لَفْظُ اللَّبْسِ انْتَهَى، وَهَذِهِ دَفِينَةُ اعْتِزَالٍ أَيْ إِنَّ الْفَاسِقَ، لَيْسَ لَهُ الْأَمْنُ إِذَا مَاتَ مُصِرًّا عَلَى الْكَبِيرَةِ، وَقَوْلُهُ: وَأَبَى تَفْسِيرَ الظُّلْمِ بِالْكُفْرِ لَفْظُ اللَّبْسِ هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ فَسَّرَ الظُّلْمَ بِالْكُفْرِ، وَالشِّرْكِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ وَقَدْ فَسَّرَهُ الرسول صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِالشِّرْكِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ وَلَعَلَّ الزَّمَخْشَرِيَّ لَمْ يَصِحَّ لَهُ ذَلِكَ عَنِ الرَّسُولِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ يَأْبَاهُ لَفْظُ اللَّبْسِ لِأَنَّ اللَّبْسَ هُوَ الْخَلْطُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مُؤْمِنًا عَاصِيًا مَعْصِيَةً تُفَسِّقُهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مؤمنا مشركا


(١) لقمان: ٣١/ ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>