الْحَسَنُ، وَطَلْحَةُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ نَصَّاحٍ، وَالْأَعْرَجُ، وَنَافِعٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ: مُرْجَوْنَ وترجي بِغَيْرِ هَمْزٍ. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ: بِالْهَمْزِ، وَهُمَا لُغَتَانِ، لأمر الله أي الحكمة، إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ إِنْ أَصَرُّوا وَلَمْ يَتُوبُوا، وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ إِنْ تَابُوا. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمْ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ أَرْجَأَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَضْرَتِهِ. وَقَالَ الْأَصَمُّ: يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ أَرْجَأَهُمُ اللَّهُ فَلَمْ يُخْبِرْ عَنْهُمْ بِمَا عَلِمَ مِنْهُمْ، وَحَذَّرَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا. وإما مَعْنَاهَا الْمَوْضُوعَةُ لَهُ هُوَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ أَوِ الْأَشْيَاءِ، فَيَنْجَرُّ مَعَ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ لِلشَّكِّ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَهِيَ هُنَا عَلَى أَصْلِ مَوْضُوعِهَا وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ فِي سَائِرِ مَا زَعَمُوا أَنَّهَا وُضِعَتْ لَهُ وَضْعَ الِاشْتِرَاكِ. والله عليم بما يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ، حَكِيمٌ فِيمَا يَفْعَلُهُ بِهِمْ.
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ لَمَّا ذَكَرَ طَرَائِقَ ذَمِيمَةً لِأَصْنَافِ الْمُنَافِقِينَ أَقْوَالًا وَأَفْعَالًا ذَكَرَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ بَالَغَ فِي الشَّرِّ حَتَّى ابْتَنَى مَجْمَعًا لِلْمُنَافِقِينَ يُدَبِّرُونَ فِيهِ مَا شَاءُوا مِنَ الشَّرِّ، وَسَمَّوْهُ مَسْجِدًا.
وَلَمَّا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَسْجِدَ قُبَاءٍ، وَبَعَثُوا إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ وَصَلَّى فِيهِ وَدَعَا لَهُمْ، حَسَدَهُمْ بَنُو عَمِّهِمْ بَنُو غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ، وَبَنُو سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَحَرَّضَهُمْ أَبُو عَمْرٍو الْفَاسِقُ عَلَى بِنَائِهِ حِينَ نَزَلَ الشَّامَ هَارِبًا من وقعة حنين فراسلهم فِي بِنَائِهِ وَقَالَ: ابْنُوا لِي مَسْجِدًا فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى قَيْصَرَ آتِي بِجُنْدٍ مِنَ الرُّومِ فَأُخْرِجُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَبَنَوْهُ إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ: خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ. وَمِنْ دَارِهِ أَخْرَجَ الْمَسْجِدَ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ، وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَحَارِثَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَابْنَاهُ مُجَمِّعٌ وَزَيْدٌ، وَنَبْتَلُ بْنُ الحرث، وَعَبَّادُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَنِجَادُ بْنُ عُثْمَانَ، وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ الْأَزْهَرُ، وبخرج بْنُ عَمْرٍو، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَقَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَالشَّاتِيَةِ، وَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تصلي لنا فيه، وتدعوا لَنَا بِالْبَرَكَةِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ وَحَالِ وشغل، وَإِذَا قَدِمْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَلَّيْنَا فِيهِ» وَكَانَ إِمَامُهُمْ مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ وَكَانَ غُلَامًا قَارِئًا لِلْقُرْآنِ حَسَنَ الصَّوْتِ، وَهُوَ مِمَّنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَوَلَّاهُ عُمَرُ إِمَامَةَ مَسْجِدِ قُبَاءٍ بَعْدَ مُرَاجَعَةٍ، ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَى الْكُوفَةِ يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنُ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ نَزَلَ بِذِي أَوَانٍ بَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي شَأْنِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ، فَدَعَا مَالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ وَمَعْنًا وَعَاصِمًا ابْنَيْ عَدِيٍّ. وَقِيلَ: بَعَثَ عَمَّارَ بْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute