للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ أَنْ يتعلق بتجري، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْأَنْهَارِ، وَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، لِإِنَّ وَمَعْنَى دَعْوَاهُمْ: دُعَاؤُهُمْ وَنِدَاؤُهُمْ، لِأَنَّ اللَّهُمَّ نِدَاءُ اللَّهِ، وَالْمَعْنَى: اللَّهُمَّ إِنَّا نُسَبِّحُكَ كَقَوْلِ الْقَانِتِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ: اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ. وَقِيلَ: عِبَادَتُهُمْ كَقَوْلِهِ: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ «١» وَلَا تَكْلِيفَ فِي الْجَنَّةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِهَاجِ وَالِالْتِذَاذِ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الْعِبَادَةَ مَجَازًا. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: فِعْلُهُمْ وَإِقْرَارُهُمْ.

وَقَالَ الْقَاضِي: طَرِيقُهُمْ فِي تَقْدِيسِ اللَّهِ وَتَحْمِيدِهِ. وَتَحِيَّتُهُمْ أَيْ مَا يُحَيِّي بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَيَكُونُ مَصْدَرًا مُضَافًا لِلْمَجْمُوعِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْعَمَلِ، بَلْ يَكُونُ كَقَوْلِهِ: وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ «٢» وَقِيلَ: يَكُونَ مُضَافًا إِلَى الْمَفْعُولِ، وَالْفَاعِلُ اللَّهُ تَعَالَى أَوِ الْمَلَائِكَةُ أَيْ: تَحِيَّةُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، أَوْ تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُمْ. وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَيْ: خَاتِمَةُ دُعَائِهِمْ وَذِكْرِهِمْ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَعْلَمَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَبْتَدِئُونَ بِتَنْزِيهِهِ وَتَعْظِيمِهِ، وَيَخْتِمُونَ بِشُكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: يَفْتَتِحُونَ بِالتَّوْحِيدِ، وَيَخْتِمُونَ بِالتَّحْمِيدِ. وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: يَعْزُوهُ إِلَى الرَّسُولِ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُلْهَمُونَ التَّحْمِيدَ والتسبيح. وَإِنِ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ لَازِمُ الْحَذْفِ، وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا خَبَرُ إن، وأن وَصِلَتُهَا خَبَرُ قَوْلِهِ: وَآخِرُ. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ يَعْمَرَ، وَبِلَالُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، ويعقوب: إن الحمد بالتشديد وَنَصْبِ الْحَمْدَ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: وَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ بِالتَّخْفِيفِ، وَرَفْعِ الْحَمْدُ هِيَ عَلَى أَنَّ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ كَقَوْلِ الْأَعْشَى:

فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الْهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ... أَنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ

يُرِيدُ أَنَّهُ هَالِكٌ إِذَا خُفِّفَتْ لَمْ تَعْمَلْ فِي غَيْرِ ضَمِيرِ أَمْرٍ مَحْذُوفٍ. وَأَجَازَ الْمُبَرِّدُ إِعْمَالَهَا كَحَالِهَا مُشَدَّدَةً، وَزَعَمَ صَاحِبُ النَّظْمِ أَنَّ أَنْ هُنَا زَائِدَةٌ، والحمد لِلَّهِ خَبَرُ، وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ.

وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ سِيبَوَيْهِ وَالنَّحْوِيِّينَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَحَالِّ زِيَادَتِهَا.

وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي دُعَاءُ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ وَنَحْوِ هَذَا. فَأَخْبَرَ تَعَالَى لَوْ فَعَلَ مَعَ النَّاسِ فِي إِجَابَتِهِ إِلَى الْمَكْرُوهِ مِثْلَ مَا يُرِيدُونَ فِعْلَهُ مِنْهُمْ فِي إِجَابَتِهِ إِلَى الْخَيْرِ لَأَهْلَكَهُمْ، ثُمَّ حَذَفَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ جُمْلَةً يَتَضَمَّنُهَا الظَّاهِرُ تَقْدِيرُهَا: فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ نَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ فَاقْتَضَبَ القول،


(١) سورة مريم: ١٩/ ٤٨.
(٢) سورة الأنبياء: ٢١/ ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>