للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسِهِ. الرَّابِعُ: ذُكِرَ هُنَا: رَغَدًا وَهُنَاكَ: حُذِفَ. وَأُجِيبَ بِالْجَوَابِ قَبْلُ. الْخَامِسُ: هُنَا قُدِّمَ دُخُولَ الْبَابِ عَلَى الْقَوْلِ، وَهُنَاكَ عُكِسَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَالْمُخَاطَبُونَ بِهَذَا مُذْنِبُونَ. فَاشْتِغَالُهُ بِحَطِّ الذَّنْبِ مُقَدَّمٌ عَلَى اشْتِغَالِهِ بِالْعِبَادَةِ، فَكُلِّفُوا بِقَوْلِ حِطَّةٍ أَوَّلًا، ثُمَّ بِالدُّخُولِ وَغَيْرُ مُذْنِبِينَ. فَاشْتِغَالُهُ أَوَّلًا بِالْعِبَادَةِ ثُمَّ بِذِكْرِ التَّوْبَةِ ثَانِيًا عَلَى سَبِيلِ هَضْمِ النَّفْسِ وَإِزَالَةِ الْعَجَبِ، فَلَمَّا احْتَمَلَ الِانْقِسَامَ ذُكِرَ حُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي سُورَةٍ بِأَيِّهِمَا بَدَأَ.

السَّادِسُ: إِثْبَاتُ الْوَاوِ فِي وَسَنَزِيدُ هُنَا، وَحَذْفُهَا هُنَاكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ أَمْرَانِ كَانَ الْمَجِيءُ بِالْوَاوِ مُؤْذِنًا بِأَنَّ مَجْمُوعَ الْغُفْرَانِ وَالزِّيَادَةِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ لِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ، وَحَيْثُ تُرِكَتْ أَفَادَ تَوَزُّعَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، فَالْغُفْرَانُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوْلِ، وَالزِّيَادَةُ فِي مُقَابَلَةِ ادْخُلُوا. السَّابِعُ: لَمْ يَذْكُرْ هَاهُنَا مِنْهُمْ وَذَكَرَ هُنَاكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَوَّلَ الْقِصَّةِ فِي الْأَعْرَافِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْصِيصِ بِلَفْظِ مِنْ قَالَ: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ «١» ، فَذَكَرَ لَفْظَ مِنْ آخِرًا لِيُطَابِقَ آخِرُهُ أَوَّلَهُ، وَهُنَا لَمْ تُبْنَ الْقِصَّةُ عَلَى التَّخْصِيصِ. الثَّامِنُ: هُنَا فَأَنْزَلْنَا، وَهُنَاكَ:

فَأَرْسَلْنَا. وَأُجِيبَ بأن الإنزال مفيد حُدُوثَهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَالْإِرْسَالَ يُفِيدُ تَسَلُّطَهُ عَلَيْهِمْ وَاسْتِئْصَالَهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَحْدُثُ بِالْآخِرِ. التَّاسِعُ: هُنَا: يَفْسُقُونَ، وَهُنَاكَ: يَظْلِمُونَ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ هُنَا كَوْنَ ذَلِكَ الظُّلْمِ فِسْقًا اكْتَفَى بِذِكْرِ الظُّلْمِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ لِأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْبَيَانِ هُنَا. قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: بَنُو إِسْرَائِيلَ خَالَفُوا اللَّهَ فِي قَوْلٍ وَفِعْلٍ، وَأَخْبَرَ تَعَالَى بِالْمُجَازَاةِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ بِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ، وَهُوَ امْتِنَاعُهُمْ عَنِ الدُّخُولِ بِصِفَةِ السُّجُودِ.

وَأَجَابَ بِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَجِبُ إِلَّا بِأَمْرٍ، وَالْأَمْرُ قَوْلٌ فَحَصَلَ بِالْمُجَازَاةِ عَنِ الْقَوْلِ الْمُجَازَاةُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَالْجَزَاءُ هُنَا إِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ عَلَى هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ الْخَاصَّةِ، فَيَفْسُقُونَ يَحْتَمِلُ الْحَالَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْمُخَالَفَاتِ الَّتِي فَسَقُوا بِهَا، فَهُوَ مُضَارِعٌ وَقَعَ مَوْقِعَ الْمَاضِي، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَفَصِيحِ الْكَلَامِ.

وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ: هَذَا هُوَ الْإِنْعَامُ التَّاسِعُ، وَهُوَ جَامِعٌ لِنِعَمِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ. أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلِأَنَّهُ أَزَالَ عَنْهُمُ الْحَاجَةَ الشَّدِيدَةَ إِلَى الْمَاءِ، وَلَوْلَا هُوَ لَهَلَكُوا فِي التِّيهِ، وَهَذَا أَبْلَغُ مِنَ الْمَاءِ الْمُعْتَادِ فِي الْأَنْعَامِ لِأَنَّهُمْ فِي مَفَازَةٍ مُنْقَطِعَةٍ. وَأَمَّا فِي الدِّينِ فَلِأَنَّهُ مَنْ أَظْهَرِ الدَّلَائِلِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ، وَعَلَى صِدْقِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالِاسْتِسْقَاءُ طَلَبُ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ وَقِلَّتِهِ. وَقِيلَ: مَفْعُولُ اسْتَسْقَى مَحْذُوفٌ، أَيِ اسْتَسْقَى مُوسَى رَبَّهُ، فَيَكُونُ الْمُسْتَسْقَى مِنْهُ هُوَ الْمَحْذُوفُ، وَقَدْ تَعَدَّى إِلَيْهِ الْفِعْلُ كَمَا تَعَدَّى إليه في


(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>