للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَسْمَعُونَكُمْ، مِنْ سَمِعَ وَسَمِعَ إِنْ دَخَلَتْ عَلَى مَسْمُوعٍ تَعَدَّتْ إِلَى وَاحِدٍ، نَحْوُ: سَمِعْتُ كَلَامَ زِيدٍ، وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى غَيْرِ مسموع، فمذهب الْفَارِسِيُّ أَنَّهَا تَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ، وَشَرْطُ الثَّانِي مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُسْمَعُ، نَحْوَ: سَمِعْتُ زَيْدًا يَقْرَأُ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَتَعَدَّى إِلَى وَاحِدٍ، وَذَلِكَ الْفِعْلَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالتَّرْجِيحُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ مَذْكُورٌ فِي النَّحْوِ. وَهُنَا لَمْ تَدْخُلْ إِلَّا عَلَى وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَسْمُوعٍ، فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ، تَدْعُونَ؟ وَقِيلَ: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ بِمَعْنَى: يُجِيبُونَكُمْ.

وَقَرَأَ قَتَادَةُ، وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ: بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ أَسْمَعَ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: الْجَوَابَ، أَوِ الْكَلَامَ. وَإِذْ: ظَرْفٌ لِمَا مَضَى، فَإِمَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ فِيهِ فَيَكُونَ بِمَعْنَى إِذَا، وَإِمَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ فِي الْمُضَارِعِ فَيَكُونَ قَدْ وَقَعَ مَوْقِعَ الْمَاضِي، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: هَلْ سَمِعُوكُمْ إِذْ دَعَوْتُمْ؟ وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ مِنْ قَرَائِنِ صَرْفِ الْمُضَارِعِ إِلَى الْمَاضِي إِضَافَةَ إِذْ إِلَى جُمْلَةٍ مُصَدَّرَةٍ بِالْمُضَارِعِ، وَمَثَّلُوا بِقَوْلِهِ: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ «١» ، أَيْ وَإِذْ قُلْتَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَجَاءَ مُضَارِعًا مَعَ إِيقَاعِهِ فِي إِذْ عَلَى حِكَايَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ الَّتِي كُنْتُمْ تَدَّعُونَهَا فِيهَا، وَقُولُوا: هَلْ سَمِعُوا، أَوِ أَسْمَعُوا قَطُّ؟ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي التَّبْكِيتِ. انتهى. وقرىء: بِإِظْهَارِ ذَالِ إِذْ وَبِإِدْغَامِهَا فِي تَاءِ تَدْعُونَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَجُوزُ فِيهِ قِيَاسٌ مُذَكَّرٌ، وَلَمْ يَقْرَأْ بِهِ أَحَدٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ بِهِ، إِذْ ددعون. فَالَّذِي مَنَعَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ اتِّصَالُ الدَّالِ الْأَصْلِيَّةِ فِي الْفِعْلِ، فَكَثْرَةُ الْمُتَمَاثِلَاتِ. انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ قِيَاسٌ مُذَكَّرٌ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْإِبْدَالَ، وَهُوَ إِبْدَالُ التَّاءِ دَالًا، لَا يَكُونُ إِلَّا فِي افْتَعَلَ، مِمَّا فَاؤُهُ ذَالٌ أَوْ زَايٌ أَوْ دَالٌ، نَحْوَ: اذْدَكَرَ، وَازْدَجَرَ، وَادَّهَنَ، أَصْلُهُ: اذْتَكَرَ، وَازْتَجَرَ، وَادْتَهَنَ أَوْ جِيمٌ شذوذ، قالوا:

أجد مع فِي اجْتَمَعَ، وَمِنْ تَاءِ الضَّمِيرِ بَعْدَ الزَّايِ وَالدَّالِ، وَمَثَّلُوا بِتَاءِ الضَّمِيرِ لِلْمُتَكَلِّمِ فَقَالُوا فِي فُزْتُ: فُزْدُ، وَفِي جَلَدْتُ: جَلَدُّ، وَمِنْ تَاءِ تُولِجُ شُذُوذًا قَالُوا: دُولِجُ، وَتَاءُ الْمُضَارَعَةِ لَيْسَتْ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا، فَلَا تُبْدَلُ تَاؤُهُ. وَقَوْلُ ابْنِ عَطِيَّةَ: وَالَّذِي مَنَعَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ إِلَى آخِرِهِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَجَازَ إِبْدَالُ تَاءِ، الْمُضَارَعَةِ دَالًا وَإِدْغَامُ الذَّالِ فيها، فكنت تقول: إذ تخرج: ادَّخْرَجَ، وَذَلِكَ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، بَلْ إِذَا أُدْغِمَ مِثْلُ هَذَا أُبْدِلَ مِنَ الذَّالِ تَاءٌ وَأُدْغِمَ فِي التَّاءِ، فَتَقُولُ: اتَّخْرَجَ.

أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ بِتَقَرُّبِكُمْ إِلَيْهِمْ وَدُعَائِكُمْ إِيَّاهُمْ. أَوْ يَضُرُّونَ بِتَرْكِ عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُمْ، فَإِذَا لَمْ يَنْفَعُوا وَلَمْ يَضُرُّوا، فَمَا مَعْنَى عِبَادَتِكُمْ لَهَا؟ قالُوا بَلْ وَجَدْنا هَذِهِ حَيْدَةٌ عن جواب


(١) سورة المنافقون: ٦٣/ ٤. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>