عَلَى حَسَبِ التَّخْفِيفِ الَّذِي قَرَأَ بِهِ نَافِعٌ فِي الْقُرْآنِ مِنْ إِبْدَالِ هَذِهِ الْهَمْزَةِ يَاءً. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالتَّحْقِيقِ: وَهَذِهِ أَنْ وَاجِبَةُ الْإِظْهَارِ هُنَا، لِكَرَاهَتِهِمُ اجْتِمَاعَ لَامِ الْجَرِّ مَعَ لَا النَّافِيَةِ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قَلَقًا فِي اللَّفْظِ، وَهِيَ جَائِزَةُ الْإِظْهَارِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِذَا أَثْبَتُوهَا، فَهُوَ الْأَصْلُ، وَهُوَ الْأَقَلُّ فِي كَلَامِهِمْ، وَإِذَا حَذَفُوهَا، فَلِأَنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِيهَا ضَرُورَةَ أَنَّ اللَّامَ لَا تَكُونُ النَّاصِبَةَ، لِأَنَّهَا قَدْ ثَبَتَ لَهَا أَنْ تَعْمَلَ فِي الْأَسْمَاءِ الْجَرَّ، وَعَوَامِلُ الْأَسْمَاءِ لَا تَعْمَلُ فِي الْأَفْعَالِ.
لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ: أَيِ احْتِجَاجٌ. وَالنَّاسُ: قِيلَ هُوَ عُمُومٌ فِي الْيَهُودِ وَالْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: الْيَهُودُ، وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُمْ: يُخَالِفُنَا مُحَمَّدٌ فِي قِبْلَتِنَا، وَقَدْ كَانَ يَتْبَعُهَا، أَوْ لَمْ يَنْصَرِفْ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ حَقٌّ إِلَّا بِرَأْيِهِ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ أُمِرَ بِهِ، أَوْ مَا دَرَى مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَيْنَ قِبْلَتُهُمْ حَتَّى هَدَيْنَاهُمْ. وَقِيلَ: مُشْرِكُو الْعَرَبِ، وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُمْ: قَدْ رَجَعَ مُحَمَّدٌ إِلَى قِبْلَتِنَا، وَسَيَرْجِعُ إِلَى دِينِنَا حِينَ صَارَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ. وَقِيلَ: النَّاسُ عَامٌّ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ وَعَدَهُمْ بِأَنَّهُ لَا يَقُومُ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ إِلَّا حُجَّةً بَاطِلَةً، وَهِيَ قَوْلُهُمْ: يُوَافِقُ الْيَهُودَ مَعَ قَوْلِهِ: إِنِّي حَنِيفٌ أَتَّبِعُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، أَوْ لَا يَقِينَ لَكُمْ وَلَا تَثْبُتُونَ عَلَى دِينٍ، أَوْ قَالُوا:
مَا لَكَ تَرَكْتَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ؟ إِنْ كَانَتْ ضَلَالَةً فَقَدْ دِنْتَ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ هُدًى فَقَدْ نَقَلْتَ عَنْهُ، أَوْ قَوْلُهُمُ: اشْتَاقَ الرَّجُلُ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ وَدِينِ قَوْمِهِ، أَوْ قَوْلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ: إِنَّهُ يَتَحَوَّلُ إِلَى قِبْلَةِ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ، فَحَوَّلَهُ اللَّهُ، لِئَلَّا يَقُولُوا: نَجِدُهُ فِي التَّوْرَاةِ يَتَحَوَّلُ فَمَا تَحَوَّلَ، فَيَكُونُ لَهُمْ ذَلِكَ حُجَّةً، فَأَذْهَبَ اللَّهُ حُجَّتَهُمْ بِذَلِكَ. وَاللَّامُ فِي لِئَلَّا لَامُ الْجَرِّ، دَخَلَتْ عَلَى إِنْ وَمَا بَعْدَهَا فَتَتَقَدَّرُ بِالْمَصْدَرِ، أَيْ لِانْتِفَاءِ الْحُجَّةِ عَلَيْكُمْ. وَتَتَعَلَّقُ هَذِهِ اللَّامُ، قِيلَ: بِمَحْذُوفٍ، أَيْ عَرَّفْنَاكُمْ وَجْهَ الصَّوَابِ فِي قِبْلَتِكُمْ، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يكون. وقيل: تتعلق بولوا، وَالْقِرَاءَةُ بِالْيَاءِ، لِأَنَّ الْحُجَّةَ تَأْنِيثُهَا غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، وَقَدْ حَسُنَ ذَلِكَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمَرْفُوعِهِ بِمَجْرُورَيْنِ، فَسَهُلَ التَّذْكِيرُ جِدًّا، وَخَبَرُ كَانَ قوله: للناس، وعليكم: فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ لِلْحُجَّةِ، فَلَمَّا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا مَحْذُوفٌ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِحُجَّةٍ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاحْتِجَاجِ، وَمَعْمُولُ الْمَصْدَرِ الْمُنْحَلِّ لِحَرْفٍ مَصْدَرِيٍّ، وَالْفِعْلِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى عَامِلِهِ. وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَيْكُمْ بِحُجَّةٍ، هَكَذَا نَقَلُوا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْكُمُ الْخَبَرَ، وَلِلنَّاسُ مُتَعَلِّقٌ بِلَفْظِ يَكُونُ، لِأَنَّ كَانَ النَّاقِصَةَ قَدْ تَعْمَلُ فِي الظَّرْفِ وَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ.
إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِلَّا جَعَلُوهَا أَدَاةَ اسْتِثْنَاءٍ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute