للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ زَيْدٍ: أَلَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ لَامِ أَلَّا، إِذْ جَعَلُوهَا الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ وَالِاسْتِفْتَاحِ. فَعَلَى قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ يَكُونُ إِعْرَابُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مُبْتَدَأً، وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِأَنَّهُ سَلَكَ بِالَّذِينَ مَسْلَكَ الشَّرْطِ، وَالْفِعْلُ الْمَاضِي الْوَاقِعُ صِلَةً هُوَ مُسْتَقْبَلُ. الْمَعْنَى: كَأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ يَظْلِمُ مِنَ النَّاسِ، فَلَا تَخَافُوا مَطَاعِنَهُمْ فِي قِبْلَتِكُمْ. وَاخْشَوْنِي: فَلَا تُخَالِفُوا أَمْرِي، وَلَوْلَا دُخُولُ الْفَاءِ لَتَرَجَّحَ نَصْبُ الَّذِينَ ظَلَمُوا، عَلَى أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ، أَيْ لَا تَخْشَوُا الَّذِينَ ظَلَمُوا، لَا تَخْشَوْهُمْ، لَكِنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ فِي زِيَادَةِ الْفَاءِ، وَأَجَازَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ يكون الذين نصبا بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ عَلَى الْإِغْرَاءِ. وَنَقَلَ السَّجَاوَنْدِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَرَأَ إِلَى الَّذِينَ، جَعَلَهَا حَرْفَ جَرٍّ، وَتَأَوَّلَهَا بِمَعْنَى مَعَ. وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ، وَبَدَأَ بِهِ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الزَّمَخْشَرِيُّ غَيْرَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ إِمْكَانًا حَسَنًا، كَانَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَعْنَاهُ لِئَلَّا يَكُونَ حُجَّةً لِأَحَدٍ مِنَ الْيَهُودِ، إِلَّا لِلْمُعَانِدِينَ مِنْهُمُ الْقَائِلِينَ: مَا تَرَكَ قِبْلَتِنَا إِلَى الْكَعْبَةِ إِلَّا مَيْلًا إِلَى دِينِ قَوْمِهِ وَحَبًّا لِبَلَدِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْحَقِّ لَلَزِمَ قِبْلَةَ الْأَنْبِيَاءِ. فَإِنْ قُلْتَ: أَيُّ حُجَّةٍ كَانَتْ تَكُونُ لِلْمُتَّصِفِينَ مِنْهُمْ لَوْ لَمْ يُحَوِّلْ حَتَّى احْتَرَزَ مِنْ تِلْكَ الْحُجَّةِ وَلَمْ يُبَالِ بِحُجَّةِ الْمُعَانِدِينَ؟ قُلْتُ: كَانُوا يَقُولُونَ: مَا لَهُ لَا يُحَوِّلُ إِلَى قِبْلَةِ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي نَعْتِهِ فِي التَّوْرَاةِ؟ فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ أَطْلَقَ اسْمَ الْحُجَّةِ عَلَى قَوْلِ الْمُعَانِدِينَ؟ قُلْتُ:

لِأَنَّهُمْ يَسُوقُونَهُ سِيَاقَ الْحُجَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْحُجَّةَ الدَّاحِضَةَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي النَّازِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها اسْتِهْزَاءً، وَفِي قَوْلِهِمْ: تَحَيَّرَ مُحَمَّدٌ فِي دِينِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الَّتِي لَمْ تَنْبَعِثْ إِلَّا مِنْ عَابِدِ وَثَنٍ، أَوْ مِنْ يَهُودِيٍّ، أَوْ مِنْ مُنَافِقٍ.

وَسَمَّاهَا تَعَالَى: حُجَّةً، وَحَكَمَ بِفَسَادِهَا حِينَ كَانَتْ مِنْ ظَلَمَةٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَدِ اتَّضَحَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ اتِّصَالُ الِاسْتِثْنَاءِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَكِنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا فَإِنَّهُمْ يَتَعَلَّقُونَ عَلَيْكُمْ بِالشُّبْهَةِ، يَضَعُونَهَا مَوْضِعَ الْحُجَّةِ، وَلَيْسَتْ بِحُجَّةٍ. وَمَثَارُ الْخِلَافِ هُوَ: هَلِ الْحُجَّةُ هُوَ الدَّلِيلُ وَالْبُرْهَانُ الصَّحِيحُ؟ أَوِ الْحُجَّةُ هُوَ الِاحْتِجَاجُ وَالْخُصُومَةُ؟ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ عَرَّفَكُمُ اللَّهُ أَمْرَ الِاحْتِجَاجِ فِي الْقِبْلَةِ فِي قَوْلِهِ تعالى: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها

لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ، بِاحْتِجَاجِهِ فِيمَا قَدْ وَضَحَ لَهُ، كَمَا تَقُولُ: مَا لَكَ عَلَيَّ حُجَّةٌ إِلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>