للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَيْنِ شُذُوذًا، لِأَنَّهُ مُضَاعَفٌ مُتَعَدٍّ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُومَ الْعَيْنِ نَحْوَ: مَدَّهُ يمده، وجره يَجُرُّهُ.

وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ: قَالَ الرَّاغِبُ: الْحُبُّ أَصْلُهُ مِنَ الْمَحَبَّةِ، حَبَبْتُهُ: أَصَبْتُ حَبَّةَ قَلْبَهُ، وَأَصَبْتُهُ بِحَبَّةِ الْقَلْبِ، وَهِيَ فِي اللَّفْظِ فُعْلٌ، وَفِي الْحَقِيقَةِ انْفِعَالٌ. وَإِذَا اسْتُعْمِلَ فِي اللَّهِ، فَالْمَعْنَى: أَصَابَ حَبَّةَ قَلْبِ عَبْدِهِ، فَجَعَلَهَا مَصُونَةً عَنِ الْهَوَى وَالشَّيْطَانِ وَسَائِرِ أَعْدَاءِ اللَّهِ. انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: حُبُّ الْعَبْدِ لِلَّهِ: تَعْظِيمُهُ وَالتَّمَسُّكُ بِطَاعَتِهِ، وَحُبُّ اللَّهِ الْعَبْدَ: إِرَادَةُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَإِثَابَتُهُ. وَأَصْلُ الْحُبِّ فِي اللُّغَةِ: اللُّزُومُ، لِأَنَّ الْمُحِبَّ يَلْزَمُ حَبِيبَهُ مَا أَمْكَنَ. اه. وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ، وَهُمُ الْمُتَّخِذُونَ الْأَنْدَادَ، وَمُتَعَلِّقُ الْحُبِّ الثَّانِي فِيهِ خِلَافٌ. فَقِيلَ: مَعْنَى أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ: أَيْ مِنْهُمْ لِلَّهِ، لِأَنَّ حُبَّهُمْ لِلَّهِ بِوَاسِطَةٍ، قَالَهُ الْحَسَنُ أَوْ مِنْهُمْ لِأَوْثَانِهِمْ، قَالَهُ غَيْرُهُ. وَمُقْتَضَى التَّمْيِيزِ بِالْأَشَدِّيَّةِ، إِفْرَادُ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ بِالْمَحَبَّةِ، أَوْ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِمُوجِبِ الْحُبِّ، أَوْ لِمَحَبَّتِهِمْ إِيَّاهُ بِالْغَيْبِ، أَوْ لِشَهَادَتِهِ تَعَالَى لَهُمْ بِالْمَحَبَّةِ، إِذْ قَالَ تَعَالَى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ «١» ، أَوْ لِإِقْبَالِ الْمُؤْمِنِ عَلَى رَبِّهِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، أَوْ لِعَدَمِ انْتِقَالِهِ عَنْ مَوْلَاهُ وَلَا يَخْتَارُ عَلَيْهِ سِوَاهُ، أَوْ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ الصَّنَمِ وَهُوَ الضَّارُّ النَّافِعُ، أَوْ لِكَوْنِ حُبِّهِ بِالْعَقْلِ وَالدَّلِيلِ، أَوْ لِامْتِثَالِهِ أَمْرَهُ حَتَّى فِي الْقِيَامَةِ حِينَ يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ عَبَدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا أَنْ يَقْتَحِمَ النَّارَ، فَيُبَادِرُونَ إليها، فَتَبْرُدُ عَلَيْهِمُ النَّارُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ تَحْتَ الْعَرْشِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، وَيَأْمُرُ مَنْ عَبَدَ الْأَصْنَامَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمُ النَّارَ فيجزعون، قاله ان جُبَيْرٍ. تِسْعَةُ أَقْوَالٍ ثَبَتَتْ نَقَائِضُهَا وَمُقَابِلَاتُهَا لِمُتَّخِذِ الْأَنْدَادِ. وَهَذِهِ كُلُّهَا خَصَائِصُ مَيَّزَ اللَّهُ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ فِي حُبِّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ، فَذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ خصيصيه. وَالْمَجْمُوعُ هُوَ الْمُقْتَضِي لِتَمْيِيزِ الْحُبِّ، فَلَا تَبَايُنَ بَيْنَ الْأَقْوَالِ عَلَى هَذَا، لِأَنَّ كُلَّ قَوْلٍ مِنْهَا لَيْسَ عَلَى جِهَةِ الْحَصْرِ فِيهِ، إِنَّمَا هُوَ مِثَالٌ مِنْ أَمْثِلَةِ مُقْتَضَى التَّمْيِيزِ.

وَقَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ: عَلَى أَنَّ الْمَحَبَّةَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِرَادَةِ، لَا تَعَلُّقَ لَهَا إِلَّا بِالْجَائِزَاتِ، فَيَسْتَحِيلُ تَعَلُّقُ الْمَحَبَّةِ بِذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ. فَإِذَا قُلْنَا: يُحِبُّ اللَّهَ، فَمَعْنَاهُ: يُحِبُّ طَاعَةَ اللَّهِ وَخِدْمَتَهُ وَثَوَابَهُ وَإِحْسَانَهُ. وَحَكَى عَنْ قَوْمٍ سَمَّاهُمْ هُوَ بِالْعَارِفِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا: نُحِبُّ اللَّهَ لِذَاتِهِ، كَمَا نُحِبُّ اللَّذَّةَ لِذَاتِهَا، لِأَنَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِالْكَمَالِ، وَالْكَمَالُ مَحْبُوبٌ لِذَاتِهِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَعَدَلَ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ عَنْ أَحَبَّ إِلَى أَشَدُّ حُبًّا، لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ أفعل التفضيل وفعل التعجب مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ. وَأَنْتَ لَوْ قُلْتَ: مَا أَحَبَّ


(١) سورة المائدة: ٥/ ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>