وَقَالَ الزَّجَّاجُ بِالظُّلْمِ، وَقَالَ غَيْرُهُ بِالْجِهَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ مَشْرُوعَةً فَيَدْخُلُ فِي ذلك الغضب، وَالنَّهْبُ، وَالْقِمَارُ، وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ، وَالْخِيَانَةُ، وَالرِّشَاءُ، وَمَا يَأْخُذُهُ الْمُنَجِّمُونَ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِي أَخْذِهِ الشَّرْعُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ مَالٌ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ، فَيَجْحَدُ الْمَالَ وَيُخَاصِمُ صَاحِبَهُ. وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آثِمٌ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ فَيَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا دَرَاهِمَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَيْضًا: هُوَ أَخْذُ الْمَالِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْغَبْنُ فِي الْبَيْعِ مَعَ مَعْرِفَةِ الْبَائِعِ بِحَقِيقَةِ مَا يَبِيعُ، لِأَنَّ الْغَبْنَ كَأَنَّهُ وَهَبَهُ. انْتَهَى.
وَهُوَ صَحِيحٌ.
وَالنَّاصِبُ لِلظَّرْفِ: تَأْكُلُوا، وَالْبَيْنِيَّةُ مَجَازٌ إِذْ مَوْضُوعُهَا أَنَّهَا ظَرْفُ مَكَانٍ، ثُمَّ تُجُوِّزَ فِيهَا فَاسْتُعْمِلَتْ فِي أَشْخَاصٍ، ثُمَّ بَيْنَ الْمَعَانِي. وَفِي قَوْلِهِ: بَيْنَكُمْ، يَقَعُ لِمَا هُمْ يَتَعَاطَوْنَهُ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ مَا كَانَ يَطَّلِعُ فِيهِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنَ الْمُنْكَرِ أَشْنَعُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ فِيهِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَهَذَا يُرَجِّحُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ لَيْسَتْ لِلْمَالِكِينَ إِذْ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمَا احْتِيجَ إِلَى هَذَا الظَّرْفِ الدَّالِّ عَلَى التَّخَلُّلِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى مَا يُتَعَاطَى مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ:
انْتِصَابُ: بَيْنَكُمْ، عَلَى الْحَالِ مِنْ: أَمْوَالِكُمْ، فيتعلق بمحذوف أي: كائنة بَيْنَكُمْ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْبَاءُ فِي: بِالْبَاطِلِ، لِلسَّبَبِ وَهِيَ تتعلق: بتأكلوا، وَجَوَّزُوا أَنْ تَكُونَ بِالْبَاطِلِ، حَالًا مِنَ الْأَمْوَالِ، وَأَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ.
وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ هُوَ مَجْزُومٌ بِالْعَطْفِ عَلَى النَّهْيِ، أَيْ وَلَا تُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ، وَكَذَا هِيَ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ، وَلَا تُدْلُوا بِإِظْهَارِ لَا النَّاهِيَةِ. وَالظَّاهِرُ، أَنَّ الضَّمِيرَ فِي: بِهَا، عَائِدٌ عَلَى الْأَمْوَالِ، فَنُهُوا عَنْ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَخْذُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَالثَّانِي:
صَرْفُهُ لِأَخْذِهِ بِالْبَاطِلِ، وَأَجَازَ الْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى جواز النَّهْيِ بِإِضْمَارِ أَنْ وَجَوَّزَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّهُ قِيلَ: تُدْلُوا، فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِ، قَالَ:
وَهَذَا مَذْهَبٌ كُوفِيٌّ أَنَّ مَعْنَى الظَّرْفِ هُوَ النَّاصِبُ، وَالَّذِي يَنْصِبُ فِي مِثْلِ هَذَا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ أَنْ مُضْمَرَةٌ انْتَهَى.
وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ قَاطِعٌ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى أَنَّ الظرف ينصب فتقول بِهِ، وَأَمَّا إِعْرَابُ الْأَخْفَشِ هُنَا أَنَّ هَذَا مَنْصُوبٌ عَلَى جَوَابِ النَّهْيِ، وَتَجْوِيزُ الزَّمَخْشَرِيِّ ذَلِكَ هُنَا، فَتِلْكَ مَسْأَلَةُ: لَا تَأْكُلِ السَّمَكَ وَتَشْرَبَ اللَّبَنَ، بِالنَّصْبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute