للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحدِيثُها السِّحْرُ الحَلالُ لَوَ أنَّها ... لم تَجْنِ قَتْلَ المُسْلِمِ المُتَحَرِّزِ

إن طالَ لم يُمْلَلْ وإنْ هِيَ أوْجَزَتْ ... وَدَّ المُحَدّثُ أنَّها لم تُوجِزِ

شَرَكُ العقولِ وَنُزْهَةٌ ما مثلُها ... للسَّامِعين وعُقْلَةُ المسْتَوفِزِ

ومن هذا أيضًا ما أنْشَدني يوسفُ بنُ هارونَ في قصيدةٍ له:

نَطقْتُ بسِحْرٍ بعدها غيرَ أنَّه ... من السِّحْرِ ما لم يُخْتَلَفْ في حَلالِهِ

كذاك ابنُ سِيرِينَ بنَفْثةِ يُوسُفٍ ... تكَلَّمَ في الرُّؤيا بمِثْلِ مَقالِهِ (١)

وفي هذا الحديثِ ما يَدُلُّ على أن التعجُّبَ مِن الإحْسَانِ في البيانِ والبلاغةِ مَوْجُودٌ في طِبَاع ذَوي العُقُولِ والفصاحةِ، وكان رسولُ الله -صلي الله عليه وسلم- قد أُوتيَ جَوامِعَ الكَلِم (٢)، إلَّا أنَّه بإنْصَافِه كان يَعْرِفُ لكُلِّ ذي فَضْلٍ فَضْلَه.

وفي هذا ما يَدُلُّ على أن أبْصَرَ الناسِ بالشيءِ أشَدُّهم فَرَحًا بالجيِّدِ منه، ما لم يكنْ حَسُودًا.

وإنَّما يَحْمَدُ العلماءُ البلاغةَ واللَّسانَةَ، ما لم تخرُجْ إلى حدِّ الإسْهَابِ والإطْنابِ والتَّفَيْهُق؛ فقد رُوِي في الثَّرْثارِينَ المتَفَيْهِقِينَ أنَّهم أبْغَضُ الناسِ إلى الله ورسولِه (٣).


(١) البيتان في ديوان عليِّ بن محمد التِّهاميِّ، ص ١٧٥، المتوفّى سنة ستَّ عشرةَ وأربعِ مئةٍ، له ترجمة في سير أعلام النبلاء ١٧/ ٣٨١ - ٣٨٢، وصَفَه الذهبيُّ بقوله: شاعرُ وقتِه، وكان ديِّنًا وَرِعًا.
(٢) لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "بُعِثتُ بجَوامع الكلِمِ، ونُصرت بالرُّعب، وبيَنا أنا نائم أُتيتُ بمفاتيح خزائنِ الأرضِ فوُضعت في يدي" أخرجه البخاري (٧٠١٣) من حديث سعيد بن المسيِّب عن أبي هريرة رضي الله عنه. وفي آخره: قال أبو عبد الله -يعني البخاريّ-: وبلغني أنّ جَوامع الكَلِمِ: أنّ الله يجمع الأمورَ الكثيرةَ التي كانت تُكتب في الكتب قبله في الأمر الواحدِ، والأمرينِ، أو نحو ذلك.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٢٥٨٢٩)، وأحمد في المسند ٢٩/ ٢٦٧ (١٧٧٣٢)، وهنّاد في الزهد ٢/ ٥٩٣ وابن أبي الدُّنيا في التواضع والخمول (١٧٧)، والحارث بن أبي أسامة في =

<<  <  ج: ص:  >  >>