بعض المتكلمين: هو العلم بالله وبصفاته على سبيل التمام والكمال، ثم إنه لما كثر اختلاف الخلق في صفات الله تعالى فلا جرم أقدم كل طائفة على تكفير من عداها من الطوائف، والإنصاف أن المعتبر هو العلم بكل ما علم بالضرورة كونه من دين محمد صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا العلم بكونه تعالى عالما بالعلم أو بذاته أو مرئيا وغير مرئي لا يكون داخلا في مسمى الإيمان. والمذهب الثاني: أن الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان معا وهو مذهب أبي الحسن الأشعري وبشر المريسي، والمراد من التصديق الكلام القائم بالنفس. المذهب الثالث: كلام بعض الصوفية الإيمان إقرار باللسان وإخلاص بالقلب. (القول الثالث) : قول من قال الإيمان عبارة عن عمل القلب فقط، فمن هؤلاء من قال: الإيمان معرفة الله بالقلب حتى إن من عرف الله بقلبه ثم جحد بلسانه ومات قبل أن يقر به فهو مؤمن كامل الإيمان وهو قول جهم بن صفوان، وزعم أن معرفة الكتب والرسل واليوم الآخر غير داخلة في حقيقة الإيمان. وحكى الكعبي عنه أن الإيمان معرفة الله مع معرفة كل ما علم بالضرورة كونه من دين محمد صلى الله عليه وسلم. ومنهم من قال: الإيمان مجرد التصديق بالقلب. (القول الرابع) . قول من قال الإيمان هو الإقرار باللسان فقط، ثم منهم من قال: شرط كونه إيمانا حصول المعرفة في القلب. ومنهم من قال: لا حاجة بنا إلى هذا الشرط أيضا بل المنافق مؤمن الظاهر كافر السريرة يثبت له حكم المؤمنين في الدنيا وحكم الكافرين في الآخرة وهذا قول الكرامية، ثم قال الإمام رحمه الله تعالى: عندي أن الإيمان عبارة عن
التصديق بكل ما عرف بالضرورة كونه من دين محمد صلى الله عليه وسلم مع الاعتقاد فههنا قيود: الأول أن الإيمان عبارة عن التصديق، وذلك أن الإيمان أكثر الألفاظ دورانا على ألسنة المسلمين، فلو صار منقولا إلى غير مسماه الأصلي لتوفرت الدواعي على نقل هذا النقل وتواتر وليس كذلك. وأيضا الإيمان المعدّى بالباء على أصله اتفاقا، فغير المعدى أيضا يكون كذلك كلما ذكر الله تعالى الإيمان في القرآن أضافه إلى القلب وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النحل: ١٠٦] كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ [المجادلة: ٢٢] وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: ١٤] وأيضا قرن الإيمان بالعمل الصالح، ولو كان العمل داخلا في الإيمان لزم التكرار. وأيضا قرن الإيمان بالمعاصي الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام: ٨٣] وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات: ٩] وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا [الأنفال: ٧٢] ومع عظيم الوعيد في ترك الهجرة. قال ابن عباس في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ [البقرة: ١٧٨] إنما يجب القصاص على القاتل المتعمد، ومع ذلك يدخل في الخطاب. ثم قال: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة: ١٧٨] وهذه الأخوة ليست إلا