للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنتفعون بالنظر فيها والاستدلال بها على وجود صانعها. مِنْها خَلَقْناكُمْ لأن آدم مخلوق من الأرض. أو لأن بني آدم خلقوا من النطفة ودم الطمث المتولدين من الأغذية المنتهية إلى العناصر الغالبة عليها الأرضية، أو لما ورد في الخبر أن الملك يأخذ من تربة المكان الذي يدفن فيه الآدمي فيذرّها على النطفة. وَفِيها نُعِيدُكُمْ لأن الجسد يصير ترابا فيختلط بالأرض إلا من رفعه الله إلى السماء، وهو أيضا يحتمل أن يعاد إليها بعد ذلك. وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى بالحشر والبعث، أو بأن نخرجكم ترابا وطينا ثم نحييكم بعد الإخراج، أو المراد الإحياء في القبر. وهاهنا بحث وهو أن يكون قوله:

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ إلى هاهنا من تتمة كلام موسى، أو هو ابتداء كلام من الله تعالى. وعلى الأول يمكن أن يوجه قوله: فَأَخْرَجْنا بأن المراد فأخرجنا نحن معاشر عباده بذلك الماء بالحراثة والزرع أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى إلا أن قوله: كُلُوا وَارْعَوْا إلى قوله: وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ لا يطابقه. وإن قيل: إن كلام موسى يتم عند قوله:

وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لم يصلح قوله: فَأَخْرَجْنا ابتداء كلام من الله لمكان فاء التعقيب، فالصواب أن يتم كلام موسى عند قوله: وَلا يَنْسى. ثم إنه تعالى ابتدأ فقال:

الَّذِي أي هو الذي جعل إلى آخره، وعلى هذا يكون قوله: فَأَخْرَجْنا من قبيل الالتفات؟؟؟ للكلام وإيذانا بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لأمره تخصيصا بأن مثل هذا لا يدخل تحت قدرة أحد سواه. والحاصل أنه تعالى عدد عليهم ما علق بالأرض من المنافع حيث جعلها لهم فراشا يتقلبون عليها عند الإقامة، وسوّى لهم فيها مسالك يتقلبون بها في أسفارهم، وأنبت فيها أصناف النبات متاعا لهم ولأنعامهم. ثم إن الأرض لهم كالأم التي منها أنشئوا وهي التي تجمعهم وتضمهم إذا ماتوا. ثم يخرجون من الأجداث خروج الأجنة من الأرحام، ومن ثم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تمسحوا بالأرض»

أي ارقدوا واسجدوا عليها من غير حائل، أو تيمموا بها فإنها بكم برة أي إنها لكم كالأم. ومنها خلقناكم وفيها معايشكم وهي بعد الموت كفاتكم.

قوله عز وعلا: وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا أي عرفناه صحتها. ثم إن كان التعريف يستلزم حصول المعرفة فيكون كفره كفر جحود وعناد كقوله: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ [النمل: ١٤] وإلا كان كفر جهالة وضلالة. سؤال الجمع المضاف يفيد العموم ولا سيما إذا أكد بالكل، لكنه تعالى ما أراه جميع الآيات لأن من جملتها ما أظهرها على الأنبياء الأقدمين ولم يتفق لموسى مثلها. الجواب هذا التعريف الإضافي محذوّ به حذو التعريف العهدي لو قيل الآيات كلها وهي التي ذكرت في قوله: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>