للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي هي ركن وقد شرحت حاله في البقرة في قوله فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ [البقرة:

١٩٨] وقيل: هو طواف الوداع والصدر. سمي بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ لأنه أول بيت وضع للناس عن الحسن،

وقال قتادة: لأنه أعتق من تسلط الجبابرة عليه وهو قول ابن عباس وابن الزبير ورووه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن ابن عيينة لأنه لم يملك قط. وعن مجاهد لأنه أعتق من الغرق أيام الطوفان. وقيل: معناه البيت الكريم من قولهم «عتاق الخيل والطير» . والحرمة ما لا يحل هتكه وجميع التكاليف بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرها، ويحتمل أن يراد هاهنا ما يتعلق بالحج، عن زيد بن أسلم أن الحرمات خمس: الكعبة الحرام والمسجد الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام والمحرم حتى يحل. وتعظيمها العلم بوجوبها والقيام بحقوقها. وقوله فَهُوَ خَيْرٌ أي فالتعظيم له خير من التهاون بذلك. وقوله عِنْدَ رَبِّهِ إشارة إلى أن ثوابه مدخر لأجله.

قوله وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ قد مر في أول «المائدة» مثله أي إلا ما يتلى عليكم آية تحريمه وهي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة: ٣] أو قوله غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة: ١] أو قوله وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام: ١٢١] وحين حث على تعظيم الحرمات أتبعه الأمر بما هو أعظم أنواعها وأقدم أصنافها قائلا فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ وبينه بقوله مِنَ الْأَوْثانِ أي الرجس الذي هو الأوثان كقولك «عندي عشرون من الدراهم» . والرجس العمل القبيح في الغاية وقد مر في آخر المائدة في تفسير قوله رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [الآية: ٩٠] والزور من الزور الميل والإضافة كقولهم «رجل صدق» جمع بين القول الزور وبين الشرك لأن عبادة الأوثان هي رأس الزور وملاكه.

قال الأصم: وصف الأوثان بأنها رجس لأن عادتهم في القرابين أن يتعمدوا سقوط الدماء عليها، والأقرب أنها وصفت بذلك لأن عبادتها فعلة متمادية في القبح والسماجة.

وللمفسرين في قول الزور وجوه منها: أنه قولهم هذا حلال وهذا حرام. ومنها أنه شهادة الزور رفعوا هذا التفسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها أنه الكذب والبهتان. ومنها أنه قول أهل الجاهلية في الطواف «لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك.» وقوله حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ حالان مؤكدان والمراد الإخلاص في التوحيد كقوله حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل: ١٢٠] وفائدة الحالين هي فائدة التولي والتبري وإنما أخر نفي الإشراك وإن كان مقدما في الرتبة إذ التخلية والتبرئة مقدمة على التحلية والتولية ليرتب عليه قوله وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ الآية. قال جار الله: إن كان تشبيها مركبا فمعناه من أشرك بالله فقد أهلك نفسه غاية الإهلاك وذلك بأن صور حاله بصورة من خر من السماء فاختطفته أي استلبته الطير فتفرق مزعا أي قطعا من اللحم في حواصلها، أو بحال من خر فعصفت به

<<  <  ج: ص:  >  >>