للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلثي دينه»

أو المراد تستره بها عن جميع المفاسد التي تقع في البيت لو لم تكن المرأة حاضرة كما يتستر الإنسان بلباسه عن الحر والبرد وكثير من المضار. وعن الأصم: أن كل واحد منهما كاللباس الساتر للآخر في ذلك المحظور الذي كانوا يفعلونه، وزيف بأن هذه القرينة واردة في معرض الإنعام لا في مقام الذم. ووحد اللباس إما لأنه جنس وإما لأنه مصدر «لابس» وضع موضع الصفة. وموقع قوله هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ استئناف لأنه كالبيان لسبب الإحلال، فإن مثل هذه المخالطة والملابسة توجب قلة الصبر عنهن. ومعنى عَلِمَ اللَّهُ ظهر معلومه أو هو عالم، ولم يذكر في الآية أن الخيانة فيما ذا إلا أن الذي تقدم هو ذكر الجماع والذي تأخر هو مثله بدليل فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ فتعين أن يكون المراد به الخيانة في الجماع. ومن المعلوم أن كل واحد منهم لم يختن فالخطاب لبعضهم، وكل من عصى الله ورسوله فقد خان نفسه لأنه جلب إليها العقاب ونقص حظها من الثواب.

وقيل: إن الآية لا تدل على وقوع الخيانة منهم، وإنما المراد علم الله أنكم بحيث لو دام هذا التكليف تختانون أنفسكم لضعفكم وقلة صبركم، فوسع الأمر عليكم حتى لا تقعوا في الخيانة. فَتابَ عَلَيْكُمْ من الفاء الفصيحة أي فتبتم فقبل توبتكم. وعلى قول أبي مسلم لا إضمار. فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ تأكيد لقوله أُحِلَّ لَكُمْ وفيه ضرب من البيان لأن حل الرفث في ليلة الصيام لا يوجب حله في جميع أجزائها حتى الصباح. والجمهور على أن المراد بالمباشرة هاهنا الجماع، سمي بهذا الاسم لتلاصق البشرتين فيه. ومنه ما

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال «لا يباشر الرجل الرجل والمرأة المرأة» «١»

وإنما قلنا إن المراد بها الجماع لأن السبب في هذه الرخصة كان وقوع الجماع من القوم، ولأن الرفث أريد به ذلك إلا أن إباحة الجماع تتضمن إباحة ما دونه فصح ما نقل عن الأصم أن المراد بها الجماع وغيره ورجع النزاع لفظيا. وأما المباشرة في قوله وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ فلا يعود النزاع فيها إلى اللفظ، لأن المنع من الجماع لا يدل على المنع مما دونه من الاستمتاعات. وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ جعل أو قضى أو كتب في اللوح من الولد أي لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها ولكن للغرض الأصلي من النكاح وهو التناسل.

قال صلى الله عليه وسلم «تناكحوا تكثروا» «٢»

وقيل: هو نهي عن العزل فقد وردت الأخبار في كراهية ذلك. وعن الشافعي: لا يعزل الرجل عن الحرة إلا بإذنها، ولا بأس أن يعزل عن الأمة.

وعن علي كرم الله وجهه: أنه كان يكره العزل.

وقيل: اطلبوا المحل الذي حلله الله لكم كقوله تعالى


(١) رواه أحمد في مسنده (١/ ٣٠٤، ٣٨٠) (٢/ ٣٢٦) . [.....]
(٢)
رواه ابن ماجه في كتاب النكاح باب ٨. بلفظ «انكحوا فإني مكاثر بكم» .

<<  <  ج: ص:  >  >>