للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقهم في الجاهلية يتجرون فيها في أيام الموسم، وكانت معايشهم منها. فلما جاء الإسلام تأثموا فرفع عنهم الحرج. ومن المعلوم أنه إنما يباح ما لم يشغل عن العبادة.

وعن ابن عمر أن رجلا قال له: إنا قوم نكرى في هذا الوجه يعني في طريق الحج، وإن قوما يزعمون أن لا حج لنا. فقال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألت عنه فلم يرد عليه حتى نزل لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فدعا به فقال: أنتم حجاج.

وعن عمر أنه قيل له: هل كنتم تكرهون التجارة في الحج؟ فقال: وهل كانت معايشنا إلا من التجارة في الحج؟!

وعن جعفر الصادق رضي الله عنه: أن ابتغاء الفضل هاهنا طلب أعمال أخر زائدة على أعمال الحج موجبة لفضل الله تعالى ورحمته كإعانة الضعيف وإغاثة الملهوف وإطعام الجائع وإرواء العطشان.

واعلم أن الفضل ورد في القرآن بمعان، منها ما يتعلق بالمصالح الدنيوية من المال والجاه والغذاء واللباس وهو المسمى بالرزق فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة: ١٠] ومنها ما يتعلق بالمصالح الأخروية وهو الفضل والثواب والجنة والرحمة تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ [الفتح: ٢٩] وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ [النساء: ٨٣] ومنها ما يتعلق بمواهب القربة ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ [الحديد: ٢١] وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً

[النساء: ١١٣] ورفع الجناح قد يستعمل في الواجب والمندوب مثل ما يستعمل في المباح كما مر في قوله فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [البقرة: ١٥٨] .

فَإِذا أَفَضْتُمْ أي دفعتم بكثرة ومنه إفاضة الماء وهو صبه بكثرة. التقدير: أفضتم أنفسكم. فترك ذكر المفعول كما ترك في قولهم دفعوا من موضع كذا وصبوا. وعرفات جمع عرفة وكلاهما علم للموقف كأن كل قطعة من تلك الأرض عرفة فسمي مجموع تلك القطعة بعرفات كما قيل في باب الصفة «ثوب أخلاق» و «برمة أعشار» ثم سئل: هلا منعت الصرف وفيها سببان التعريف والتأنيث؟ فقيل: إنه لم يبق علما بعد ما جمع ثم جعل علما لمجموع القطع فتركوها بعد ذلك على أصلها في الصرف. وقيل: إن هذا التنوين تنوين المقابلة في نحو «مسلمات» ومن ذهب إلى أن تنوين المقابلة لا وجود له كجار الله وكثير من المتأخرين. وأن هذا التنوين تنوين الصرف. قالوا: إنما لم يسقط لأن التأنيث في نحو «مسلمات وعرفات» ضعيف. فإن التاء التي هي لمحض التأنيث سقطت، والباقية علامة لجمع المؤنث، وزيف بأن عرفات مؤنث. وإن قلنا إنه لا علامة تأنيث فيها لا متمحضة للتأنيث ولا مشتركة لأنه لا يعود الضمير إليها إلا مؤنثا تقول «هذه عرفات مباركا فيها» ولا يجوز «مباركا فيه» إلا بتأويل بعيد كما في قوله «ولا أرض أبقل إبقالها» فتأنيثها لا يقصر

<<  <  ج: ص:  >  >>