للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صحائف الكائنات التي هي بالحقيقة كالمرايا لظهور آثار الأسماء والصفات الإلهية وتتفكر في خلق العلويات والسفليات وتتأمل في كيفية ارتباطاتها ورجوعها الى الوحدة الحقيقية وكيفية سريان الوحدة الذاتية عليها بلا حلول واتحاد واتصال وانفصال وحصول وانتقال وكذا عن كيفية انبساط اظلال الوجود الإلهية على ذرائر الأكوان وامتداداتها على مرايا الاعدام على سبيل التجدد والتقضي بلا طريان ضد وحلول فترة وانقطاع أصلا ومن تأمل ظهور الحق في الآفاق والأنفس على الوجه الذي تلى فقد تحقق بعزته وانكشف له الوحدة المحتوية على عموم الكثرات بلا توهم كثرة في ذاته المستغنى عن التعدد مطلقا فحينئذ قد ارتفع عن بصر شهوده غير الحق وشئونه ولا يرى في فضاء الوجود سوى الله موجودا ومشهودا فتمكن حينئذ في مقام التوحيد وأخذ في التنزيه والتقديس والتسليم والتكبير والتمجيد قائلا بلسان استعداده سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين المنبهين على مرتبة التوحيد والحمد لله رب العالمين

[سورة ص]

[فاتحة سورة ص]

لا يخفى على من تحقق بوحدة الحق واحاطته وشموله على عموم ما لاح عليه بروق شئونه ولوامع تجلياته الغير المحصورة ان الحقيقة الحقية المنزهة عن لوث التعينات وشوب الإضافات مطلقا وذلك انه لما أراد سبحانه ان يتجلى لذاته بذاته ويطالع أسماءه الحسنى وصفاته العليا التي قد اتصف بها ذاته على التفصيل حتى ينقلب ويصير حضوره شهودا وعلمه عينا تنزلت من مرتبة الاحدية المستهلكة دونها الكثرات مطلقا المتلاشئة عندها الإشارات والإضافات رأسا فالتفتت نحو العدم بعد ما أفاضت عليه خلعة الاستعداد والقبول فانعكس فيه من شئون الحق واشعة أنوار شمس ذاته ما لا يتناهى ابد الآباد من الصور والآثار الغير المتكررة فيتراءى هذا النظام المشاهد المحسوس من تلك الآثار والاظلال المنعكسة من شمس الذات وانبسط عليها بالاستقلال التام بلا مشاركة ولا مظاهرة فيوجد الكل به وله وفيه ويرجع الكل اليه رجوع الأضواء الى الشمس والأمواج الى البحر فمن خرج عن ربقة عبوديته بعد ما سمع كيفية ظهوره فقد لحق بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا وما ذلك الا بسبب جهلهم وضلالهم وما الباعث على خروجهم عن مقتضى الحدود الإلهية الموضوعة بينهم بالوضع الإلهي المنبه به على السنة الأنبياء العظام والرسل الكرام الا من استكبارهم وتغررهم الحاصل لهم بتغرير سلطان اماراتهم عليهم وتضليلها إياهم وتلبيسها عليهم لذلك اقسم سبحانه بكتابه المجيد المنزل من عنده المشتمل على فوائد الكتب السالفة المنزلة من لدنه بان كفرهم وانكارهم بتوحيد الله وتصديق رسله وكتبه انما نشأ من استكبارهم في أنفسهم واستعلائهم على عباد الله وتفوقهم عليهم عدوانا وظلما ابتلاء من الله إياهم وافتتانا لهم على مقتضى أسمائه المقتضية للاذلال والإضلال إظهارا للقدرة الكاملة والحكمة الباعثة على وضع التكاليف المستلزمة للثواب والعقاب والإحسان والخذلان والانعام والانتقام فقال مخاطبا لحبيبه الذي اختاره لرسالته الى كافة البرايا بالدعوة العامة والتشريع التام الكامل للكمل المتمم لمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم المتعلقة لسلوك طريق التوحيد بعد ما تيمن باسمه العظيم الجامع لجميع الأسماء والصفات بِسْمِ اللَّهِ الذي تجلى لحبيبه صلّى الله عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>