يعني إن لم ينزعن بالهجران فاضربوهن يعني ضربا غير مبرح ولا شائن
قيل هو أن يضربها بالسواك ونحوه. وقال الشافعي: الضرب مباح وتركه أفضل عن عمرو بن الأحوص أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ فذكر في الحديث قصة فقال: «ألا فاستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن تأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا» أخرجه الترمذي بزيادة فيه قوله عوان جمع عانية أي أسيرة شبه المرأة ودخولها تحت حكم زوجها بالأسير والضرب المبرح الشديد الشاق. وقوله: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أي لا تطلبوا عليهن طريقة تحتجون بها عليهن إذا قمن بواجب حقكم عن حكيم بن معاوية عن أبيه. قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال: «أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسبت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت» أخرجه أبو داود قوله ولا تقبح أي لا تقل قبحك الله (ق) عن عبد الله بن زمعة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم لعله يجامعها أو قال يضاجعها من آخر اليوم» عن إياس بن عبد الله بن أبي ذئاب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تضربوا النساء» فجاء عمر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «زبرت النساء على أزواجهن» فرخص في ضربهن فأطاف بآل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساء كثيرون يشكون أزواجهن فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم» أخرجه أبو داود. إياس بن عبد الله هذا قد اختلف في صحبته وقال البخاري لا يعرف له صحبة قوله زبرت يقال زبرت المرأة على زوجها نشزت واجترأت عليه وأطاف بالشيء أحاط به. ففي هذه الأحاديث دليل على أن الأولى ترك الضرب للنساء فإن احتاج إلى ضربها لتأديب فلا يضربها ضربا شديدا وليكن ذلك مفرقا ولا يوالي بالضرب على موضع واحد من بدنها وليتق الوجه لأنه يجمع المحاسن ولا يبلغ بالضرب عشرة أسواط وقيل ينبغي أن يكون الضرب بالمنديل واليد ولا يضرب بالسوط والعصا وبالجملة فالتخفيف بأبلغ شيء أولى في هذا الباب واختلف العلماء فقال بعضهم حكم الآية مشروع على الترتيب فإن ظاهر اللفظ وإن دل على الجمع إلا أن مجرى الآية يدل على الترتيب قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: يعظها بلسانه فإن انتهت فلا سبيل له عليها، فإن أبت هجر مضجعها فإن أبت ضربها فإن لم تتعظ بالضرب بعث الحكم. وقال الآخرون هذا الترتيب مراعى عند خوف النشوز أما عند تحقق النشوز فلا بأس بالجمع بين الكل وقيل له أن يعظها عند خوف النشوز وهل له أن يهجرها فيه احتمال ذلك وله عند ظهور النشوز أن يعظها وأن يهجرها أو يضربها عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته» أخرجه أبو داود (ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح» وفي رواية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلّا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها» وفي رواية: «إذا باتت مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح وفي أخرى» حتى ترجع عن طلق بن علي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا دعا الرجل امرأته إلى حاجته فلتأته وإن كانت على التنور» أخرجه الترمذي وله عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو دخيل عندك يوشك أن يفارقك إلينا» وله عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة» وقوله تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ يعني فإن رجعن عن النشوز إلى طاعتكم عند هذا التأديب فلا تبغوا عليهن سبيلا يعني فلا تطلبوا عليهن الضرب والهجران على سبيل التعنت والإيذاء، وقيل معناه أزيلوا عنهن التعرض بالأذى والتوبيخ ولا تجنوا عليهن الذنوب وقيل معناه لا تكلفوهن محبتكم فإن القلب ليس بأيديهن إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً العلي الكبير في صفة الله تعالى معناه الرفيع الذي يعلو عن وصف الواصفين ومعرفة العارفين العلي بالإطلاق الذي يستحق جميع صفات المدح