للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإحساس به.

كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيّا» .

فإن قيل: فلم لم يصف نعيم الجنة بالذوق؟ قيل: لأن الذوق يدل على جنس الإحساس. ويقال: ذاق الطعام لمن وجد طعمه وإن لم يأكله. وأهل الجنة نعيمهم كامل تام لا يقتصر فيه على الذوق. بل استعمل لفظ الذوق في النفي. كما قال عن أهل النار: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً [النبأ: ٢٤] أي لا يحصل لهم من ذلك ولا ذوق. وقال عن أهل الجنة: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى [الدخان: ٥٦] .

وكذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن: لفظ المكر والاستهزاء والسخرية المضاف إلى الله. وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله، عن طريق المجاز. وليس كذلك. بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلما له.

وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجنيّ عليه، عقوبة بمثل فعله- كانت عدلا. كما قال تعالى: كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ [يوسف: ٧٦] ، فكاد له كما كادت إخوته، لما قال له أبوه: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً [يوسف: ٥] .

وقال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً [الطارق: ١٥- ١٦] ، وقال:

وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ [النمل: ٥٠- ٥١] ، وقال: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة: ٧٩] . ولهذا كان الاستهزاء بهم فعلا يستحق هذا الاسم. كما روي عن ابن عباس: أنه يفتح لهم باب من الجنة وهم في النار فيسرعون إليه فيغلق. ثم يفتح لهم باب آخر فيسرعون إليه فيغلق. فيضحك منهم المؤمنون. قال تعالى: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين: ٣٤- ٣٦] . وعن الحسن البصريّ: إذا كان يوم القيامة خمدت النار لهم كما تخمد الإهالة. فيمشون. فيخسف بهم. وعن مقاتل: إذا ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فيبقون في الظلمة. فيقال لهم: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا. وقال بعضهم: استهزاؤه استدراجه لهم. وقيل: إيقاع استهزاء بهم وردّ خداعهم ومكرهم عليهم. وقيل: إنه يظهر لهم في الدنيا خلاف ما أبطن في الآخرة. وقيل: هو تجهيلهم وتخطئتهم فيما فعلوه. وهذا كله حق. وهو استهزاء بهم حقيقة. وفي بعض الآثار: أن الله سبحانه يأمر بناس من الناس إلى الجنة، حتى إذا رأوها وشاهدوا ما فيها من الكرامة، قال الله لملائكته: اصرفوهم عنها. لا

<<  <  ج: ص:  >  >>