للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يتميز هذا عن هذا. ولهذا كان كل ما يذكرونه من الفروق يبين أنها فروق باطلة.

وكلما ذكر بعضهم فرقا أبطله الثاني. كما يدعي المنطقيون أن الصفات القائمة بالموصوفات تنقسم اللازمة لها إلى داخل في ماهيتها الثابتة في الخارج وإلى خارج عنها لازم للماهية ولازم خارج للوجود. وذكروا ثلاثة فروق كلها باطلة. لأن هذا التقسيم باطل لا حقيقة له. بل ما يجعلونه داخلا يمكن جعله خارجا وبالعكس.

كما قد بسط في موضعه. وقولهم: اللفظ إن دل بلا قرينة فهو حقيقة، وإن لم يدل إلا معها فهو مجاز- قد تبين بطلانه، وأنه ليس في الألفاظ الدالة ما يدل مجردا عن جميع القرائن. ولا فيها ما يحتاج إلى جميع القرائن. وأشهر أمثلة المجاز لفظ الأسد والحمار والبحر ونحو ذلك، مما يقولون: إنه استعير للشجاع والبليد والجواد. وهذه لا تستعمل إلا مؤلفة مركبة مقيدة بقيود لفظية. كما تستعمل الحقيقة. كقول أبي بكر الصديق عن أبي قتادة «١» ، لما طلب غيره سلب القتيل: لاها الله، إذا تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فنعطيك سلبه. فقوله: تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله، وصف له بالقوة بالجهاد في سبيله. وقد عيّنه تعينا أزال اللبس. وكذلك

قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن خالدا سيف من سيوف الله، سلّه الله على المشركين» «٢»

وأمثال ذلك. وإن قال القائل: القرائن اللفظية موضوعة، ودلالتها على المعنى حقيقة، لكن القرائن الحالية مجاز. قيل: اللفظ لا يستعمل قط إلا مقيدا بقيود لفظية موضوعة والحال حال المتكلم والمستمع، لا بد من اعتباره في جميع الكلام. فإنه إذا عرف المتكلم، فهم من معنى كلامه ما لا يفهم إذا لم يعرف. لأنه بذلك يعرف عادته في خطابه. واللفظ إنما يدل إذا عرف لغة المتكلم التي بها يتكلم. وهي عادته وعرفه التي يعتادها في خطابه. ودلالة اللفظ على المعنى دلالة قصدية إرادة اختيارية. فالمتكلم يريد دلالة اللفظ على المعنى. فإذا اعتاد أن يعبر باللفظ عن المعنى كانت تلك لغة. ولهذا كل من كان له عناية بألفاظ الرسول ومراده بها، عرف عادته في خطابه. وتبين له من مراده ما لا يتبين لغيره. ولهذا ينبغي أن يقصد، إذا ذكر لفظ من القرآن والحديث، أن يذكر نظائر ذلك اللفظ ماذا عنى بها


(١) أخرجه البخاري في فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب، ومن قتل قتيلا فله سلبه.
(٢)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده. حديث ٤٣، أن أبا بكر عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة، وقال: إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: نعم العبد وأخو العشيرة خالد بن الوليد، وسيف من سيوف الله، سلّه الله عز وجل على الكفار والمنافقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>