للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحبه. ويترك من اللين والصلة والإحسان والبر ما يأمر الله به. فالأول مذنب والثاني مسرف. وفليقولا جميعا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا [آل عمران: ١٤٧] ، الآية. وقوله إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فالمؤمن بذلك يفعل ما يحبه الله، وينهى عما يبغضه الله. ومن لم يؤمن بالله واليوم الآخر فإنه يتبع هواه.، فتارة تغلب عليه الشدة وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [القصص: ٥٠] ، والنظر والمباشرة، وإن كان بعضه من اللمم، فإن دوام ذلك وما يتصل به، من المعاشرة والمباشرة قد تكون أعظم بكثير من فساد زنى لا إصرار فيه. بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك. كما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة: ١٦٥] الآية. ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله وضعف الإيمان. والله تعالى إنما ذكره عن امرأة العزيز المشركة وعن قوم لوط. وقد جمع النبيّ صلى الله عليه وسلم الحدود فيما

رواه أبو داود من حديث ابن عمر «١»

(من حالت شفاعته دون حد من حدود الله، فقد ضادّ الله في أمره. ومن خاصم في باطل، وهو يعلم، لم يزل في سخط لله حتى ينزع ومن قال في مسلم ما ليس فيه، حبس في ردعة الخبال حتى يخرج مما قال)

. فالشافع في الحدود مضادّ لله في أمره. فلا يجوز أن يأخذ المؤمن رأفة بأهل البدع والفجور والمعاصي، وجماع ذلك كله قوله: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ [المائدة: ٥٤] ، وقوله:

أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: ٢٩] ، فإن هذه الكبائر كلها من شعب الكفر كما

في الصحاح «٢»

(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)

إلخ. ففيهم من نقص الإيمان ما يوجب زوال الرأفة بهم. ولا منافاة بين كون الواحد يحب من وجه ويبغض من وجه، ويثاب من وجه ويعاقب من وجه. خلافا للخوارج والمعتزلة. ولهذا جاء في السنة أن من أقيم عليه الحد، يرحم من وجه آخر، فيحسن إليه ويدعى له.

وهذا الجانب أغلب في الشريعة، كما في صفة الرب سبحانه وتعالى.

ففي الصحيح «٣»

(إن رحمتي تغلب غضبي)

وقال:


(١) أخرجه أبو داود في: ٢٣- الأقضية، ١٤- باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها، حديث رقم ٣٥٩٧.
(٢) أخرجه البخاري في: المظالم والغصب، ٣٠- باب النهي بغير إذن صاحبه، حديث رقم ١٢٢٠، عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه البخاري في: التوحيد، ٥٥- باب قول الله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ، حديث ١٥٠٩، عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>