للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً [النصر: ٣] . وأما الإخبار فتأويله عين الأمر المخبر به إذا وقع. ليس تأويله فهم معناه، وقد جاء اسم التأويل في القرآن في غير موضع. وهذا معناه. قال الله تعالى: وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ، يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ [الأعراف: ٥٢- ٥٣] فقد أخبر أنه فصل الكتاب، وتفصيله بيانه وتمييزه بحيث لا يشتبه، ثم قال: هَلْ يَنْظُرُونَ، أي ينتظرون، إِلَّا تَأْوِيلَهُ، يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ. إلى آخر الآية. وإنما ذلك مجيء ما أخبر به القرآن بوقوعه من القيامة وأشراطها. كالدابة ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ومجيء ربك والملك صفا صفا، وما في الآخرة من الصحف والموازين والجنة والنار وأنواع النعيم والعذاب وغير ذلك. فحينئذ يقولون: قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ. وهذا القدر الذي أخبر به القرآن من هذه الأمور لا يعلم وقته وقدره وصفته إلا الله. فإن الله يقول: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: ١٧] . ويقول «١» :

أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

وقال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، فإن الله قد أخبر أن في الجنة خمرا ولبنا وماء وحريرا وذهبا وفضة وغير ذلك، ونحن نعلم قطعا أن تلك الحقيقة ليست مماثلة لهذه، بل بينهما تباين عظيم مع التشابه. كما في قوله:

وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً [البقرة: ٢٥] ، على أحد القولين أي يشبه ما في الدنيا، وليس مثله. فأشبه اسم تلك الحقائق أسماء هذه الحقائق، كما أشبهت الحقائق الحقائق من بعض الوجوه، فنحن نعلمها إذا خوطبنا بتلك الأسماء من القدر المشترك بينهما، ولكن لتلك الحقائق خاصية لا ندركها في الدنيا، ولا سبيل إلى إدراكنا لها لعدم إدراك عينها أو نظيرها من كل وجه، وتلك الحقائق على ما هي تأويل ما أخبر الله به، وهذا فيه رد على اليهود والنصارى والصابئين من المتفلسفة وغيرهم. فإنهم ينكرون أن يكون في الجنة أكل وشرب ولباس ونكاح، ويمنعون وجود ما أخبر به القرآن.

ومن دخل في الإسلام ونافق المؤمنين تأول ذلك على أن هذه أمثال مضروبة لتفهيم النعيم الروحانيّ، إن كان من المتفلسفة الصابئة المنكرة لحشر الأجساد. وإن كان


(١)
أخرجه البخاريّ في: التوحيد، ٣٥- باب قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ. ونصه:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال الله: أعددت ...
إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>