للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوعيد فيه من التشابه ما ذكرناه. بخلاف الأمر والنهي فإنه متميز غير مشتبه بغيره، فإنه أمور نفعلها قد علمناها بالوقوع وأمور نتركها لا بد أن نتصورها.

ومما جاء من لفظ التأويل في القرآن قوله تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ [يونس: ٣٩] والكتابة عائدة على القرآن، أو على ما لم يحيطوا بعلمه، وهو يعود إلى القرآن. قال تعالى: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ، كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ [يونس: ٣٧- ٤٠] . فأخبر سبحانه أن هذا القرآن ما كان ليفترى من دون الله. وهذه الصيغة تدل على امتناع المنفيّ كقوله: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ [هود: ١١٧] لأن الخلق عاجزون عن الإتيان بمثله. كما تحداهم وطالبهم لما قال: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [يونس: ٣٨] ، فهذا تعجيز لجميع المخلوقين. قال تعالى: وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [يونس: ٣٧] ، أي مصدق الذي بين يديه، وتفصيل الكتاب، أي مفصل الكتاب، فأخبر أنه مصدق الذي بين يديه ومفصل الكتاب. والكتاب اسم جنس. ولما تحدى القائلين: افتراه، ودل على أنهم هم المفترون، قال: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ. ففرق بين الإحاطة بعلمه، وبين إتيان تأويله.

فتبين أنه يمكن أن يحيط أهل العلم والإيمان بعلمه، ولما يأتهم تأويله، وأنّ الإحاطة بعلم القرآن ليست إتيان تأويله، فإن الإحاطة بعلمه معرفة معاني الكلام على التمام، وإتيان التأويل نفس وقوع المخبر به. وفرق بين معرفة الخبر وبين المخبر به.

فمعرفة الخبر هي معرفة تفسير القرآن. ومعرفة المخبر به هي معرفة تأويله. وهذا هو الذي بيناه فيما تقدم.

إن الله إنما أنزل القرآن ليعلم ويفهم ويفقه ويتدبر ويتفكر به محكمه ومتشابهه، وإن لم يعلم تأويله. ويبين ذلك أن الله يقول عن الكفار: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً، وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>