للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلم أن اختلاف الصحابة والتابعين والمجتهدين في الفروع ليس مما تشمله الآية، فإن المراد منها الاختلاف عن الحق، بعد وضوحه، برفضه، وشتان ما بين الاختلافين. ثم على طالب الحق أن يستعمل نظره فيما يؤثر من هذه الخلافيات، فما وجده أقوى دليلا أخذ به، وإلا تركه. وحينئذ يكون ممن قال الله تعالى فيه:

فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر: ١٧- ١٨] . وإذا اشتبه عليه مما قد اختلف فيه، فليدع بما رواه مسلم «١» في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول- إذا قام يصلي من الليل- اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. فإن الله تعالى قال فيما

رواه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم «٢» : يا عبادي كلكم ضال إلا من هديت، فاستهدوني أهدكم-

انتهى.

الرابع: ذكر بعض المفسرين، هنا، ما روي من حديث (اختلاف أمتي رحمة) ، ولا يعرف له سند صحيح، ورواه الطبرانيّ والبيهقيّ في (المدخل) بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا. قال بعض المحققين: هو مخالف لنصوص الآيات والأحاديث، كقوله تعالى: وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [هود: ١١٨- ١١٩] .


(١) أخرجه مسلم في: صلاة المسافرين وقصرها، حديث ٢٠٠.
(٢)
أخرجه مسلم في: البر والصلة والآداب، حديث ٥٥ ونصه: عن أبي ذر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما. فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا.
يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك من عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>