من بين القتلى يمشي، فنزل على امرأة من هَوَازن فأقام عندها، فداوتْه حتَّى برئ، فعاد إلى أهله، وقال أبياتاً أوّلُها: [من الطَّويل]
أَعاذِلَ إن الرُّزْءَ في مثل خالدٍ … ولا رُزْءَ فيما أهلك المرءُ عن يدِ
ومنها:
أَمرتُهمُ أمري بمُنْعَرَج اللِّوى … فلم يَسْتبينوا الرُّشْدَ إلَّا ضُحى الغَدِ
عَلانيةً ظُنُّوا بألفَي مُدَجَّج … سَراتُهمُ في الفارِسيِّ المسرَّدِ
فلمَّا عَصَوْني كنتُ منهم وقد أَرى … غَوايَتَهم وأنّني غيرُ مُهتَدي
وهل أنا إلَّا من غَزِيَّةَ إن غَوَت … غَوَيْتُ وإن تَرْشُد غَزيَّةُ أَرْشُدِ
ومنها:
فإن يَكُ عبدُ الله خلَّى مكانَه … فما كان وَقَّافاً ولا طائشَ اليَدِ
قليلُ التَّشَكِّي للمصائب حافِظٌ … من اليوم أعقابَ الأحاديث في غدِ
كَميشُ الإزارِ خارجٌ نصفُ ساقِه … بَعيدٌ من الآفاتِ طَلَّاعُ أَنْجُدِ
صبا ما صبا حتى على الشَّيبُ رأسَه … فلما عَلاه قال للباطلِ ابعُدِ (١)
ومنها يوم مُبايض، كانت الفرسانُ إذا كانت أيَّام عُكَاظ في الشَّهر الحرام، وأمن بعضُهم بعضاً، تقَنَعوا لئلا يُعْرَفوا، وكان طَرِيف بن تَميم لا يَتقنَّع، وكان قد قَتل شَراحيل الشَّيبانيّ، فوافى سوق عُكاظ، فرآه حَمَصيصةُ بن شَراحيل، فقال: مَن هذا؟ قالوا: قاتلُ أبيك، فصار كلّما مرَّ به يتأمَّلُه، فقال له طَريف: مالك تنظرُ إليّ؟ قال: أَتَوسَّمُك لأعرفك، فلله عليَّ إن لقيتُك لأقتُلنَّك أو تقتلني، فقال طريف: [من الكامل]
أوكلّما وردتْ عُكاظَ قبيلةٌ … بَعثتْ إلي عَريفَها يَتوسَّمُ
فتَوسَّموني إنني أنا ذاكُمُ … شاكٍ سلاحي في الحوادثِ مُعْلِمُ
ومضت على ذلك مُدّة، فأغار حَمَصيصة على بني تميم وهم غارّون، فخرج إليه طريف فقتله حمصيصة، وفيه يقول الشاعر: [من الكامل]
(١) العقد ٥/ ١٦٨ - ١٧٠، والأبيات في الأصمعيات ١٠٧ وتخريجها ثمة. المدجّج: تام السلاح، سراتهم: أشرافهم، الفارسي المسرد: الدرع محكم النسج، كميش الإزار: مُشمّر مُجدّ، طلاع أنجد: يركب صعاب الأمور.