قال ابن عباس: خطب رسول الله ﷺ زينب من أخيها عبدِ الله بن جحشٍ على زيد ابن حارثةَ مولاه، وكان قد تبناه، فكان زيد مولى في الإِسلام، غريبًا في الجاهلية، فلما خطبها رسول الله ﷺ لنفسه أجابت، فلما علمت أنه خطبها لزيد أنكرت وأبت وقالت: أنا بنت عمتك، تزوجني مولىً لا أرضاه. وأبى أخوها عبد الله ذلك، وكانت بيضاءَ جميلة فيها حِدَّةٌ، فأنزل الله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦]، فقالت: رضيت. وجعلت أمرها بيد رسول الله ﷺ، وفعل أخوها كذلك، فزوَّجها زيدًا وساق إليها عشرة دنانير وستين درهمًا ودرعًا وخمارًا ومِلْحَفَةً وإزارًا، وخمسين مُدًّا من طعام، وثلاثين صاعًا من تمر، فأقامت عند زيد حينًا، فقال له رسول الله ﷺ:"هل رابك منها شيء؟ " قال: هي سيئة الخلق، وتتعظَّمُ علي بشرفها، وتؤذيني بلسانها.
وكان رسول الله ﷺ لا يصبر عن زيدٍ ساعة، فغاب عنه يومًا فجاء إلى بيته يطلبه فلم يجدْه، وقامت إليه زينب فقالت: ليس ها هنا، فادخلْ، فداك أبي وأمي. وعَجِلت زينب أن تلبس ثوبها لمّا قيل لها رسول الله ﷺ على الباب، فوثبت عَجِلَةً فأَعْجبتْ رسولَ الله ﷺ، فولى يُهَمْهِمُ بشيء لم يُفْهَمْ منه إلا "سبحان مُقَلَّبِ القلوبِ أو مصرَّفِ القلوب … " وجاء زيدٌ إلى بيته فأخبرته زينبُ بما كان، فقال: هلَّا عرضتِ عليه الدخول؟ قالت: قد فعلت وأبى. قال: فهل قال شيئًا؟ قالت: نعم، قال كذا وكذا. فجاء زيد إليه فقال: يا رسول الله، بلغني أنك جئت إلى منزلي فهلّا دخلت؟ لعل زينب أعجبتك، أأُفارقها؟ فقال له:"أَمسكْ عَليكَ زَوجَكَ". فما استطاع زيد إليها سبيلًا بعد ذلك اليوم، ففارقها واعتزلها.
فبينا رسولُ الله ﷺ عند عائشة إذْ أخذته غَشيةٌ فأفاق، ثم قال: "من يذهبُ إلى زينب فيبشَّرها، أن الله قد زَوَّجنيها من السماء، ثم قرأ ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٣٧] الآيات (١).
(١) "الطبقات الكبرى" ١٠/ ٩٩، وقد ردَّ العلماء هذا الخبر وأمثاله، ونزهوا النبي ﷺ عما نسب إليه فيها، انظر أحكام القرآن لابن العربي ٣/ ١٥٣١، والشفا للقاضي عياض ٢/ ٤٢٥، والمفهم للقرطبي ١/ ٤٠٦، وفتح الباري ٨/ ٥٢٣.