للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل لمحمد بن مسلمة: بايع، فامتنع.

وقد أخرج أحمد في "المسند" قصةَ محمد بن مسلمة من طريقين؛ أحدهما:

قال أحمد بإسناده عن الحسن بن علي قال: لما بُويع أميرُ المؤمنين بعث إلى محمد بن مَسلمة، فجيءَ به، فقال له علي: ما خَلَّفك عن هذا الأمر؟ قال: دفع إليّ ابنُ عمك -يعني النَّبيُّ سيفًا وقال: "قاتلْ به ما قوتل العدوّ، فإذا رأيتَ النَّاسَ يضربُ بعضُهم بعضًا، فاعْمِد به صخرةً فاضرِبْه بها، ثم الزم بيتَك حتَّى تأتيك مَنِيَّةٌ قاضِيَةٌ، أو يَدٌ خاطئة"، فقال علي: خلُّوا عنه (١).

الطَّريق الثَّاني: قال أحمد بإسناده، عن علي بن زيد، عن أبي بُردة قال: مررتُ بالرَّبَذَة، فإذا فُسْطاط مَضروب، فقلت: لمن هذا؟ قيل: لمحمد بن مَسلمة، فاستأذنتُ عليه، فأَذِن لي، فدخلتُ عليه فقلتُ: رحمك الله، إنك من هذا الأمر بمكان، فلو خرجتَ إلى النَّاس فأمرتَ ونهيتَ، فقال: إن رسول الله قال: ستكون فِتنةٌ وفُرقَةٌ واختلاف، فإذا كان كذلك، فأتِ بسيفك أُحُدًا فاضربْ به عُرضَه، واكسِرْ نَبْلَك، واقطَعْ وَتَرك، واجلِسْ في بيتك" فقد كان ذلك، وفعلتُ ما أمرني به رسول الله ، ثم استَنْزلَ سيفًا كان مُعَلَّقًا بعَمود فُسطاطه فاخترَطَه، وإذا سيفٌ من خَشَب، قال: فقد فعلتُ ما أمَرني رسول الله واتخذتُ هذا أُرْهِبُ به النَّاس (٢).

وذكر المسعودي في تاريخه (٣) أن جماعة من بني أميَّة ممن تخلَّف عن بيعة علي ؛ منهم: مروان بن الحكم وسعيد بن العاص والوليد بن عُقبة جاؤوا إلى علي، فقال له الوليد: إنا لم نتَخلَّف عن بيعتك رغبةً عنك، ولكنّك قتلت أبي، وجَلَدْتَني حَدًّا، وقال سعيد بن العاص: قتلتَ أبي، وقال مروان: شَتمتَني، ولعنتَ أبي، وعِبتَ على عثمان تقريبَه إياي، ثم بايعوه.

قلت: وقد وهم المسعودي، فإن هؤلاء المذكورين لما قُتل عثمان هربوا إلى مكّة، وكانت عائشة بها، فاتّفقوا على ما اتفقوا عليه، وسنذكره إن شاء الله تعالى.


(١) مسند أحمد (١٧٩٧٩).
(٢) مسند أحمد (١٦٠٢٩).
(٣) ٤/ ٢٩٦ - ٢٩٧.