للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

روى هشام بن محمد، عن أبي مخنف، عن أشياخه قالوا: خطب علي الناس قبل مقتل محمد، لما وصل إليه كتابَه يستصرخ به فقال:

أما بعد، فإن هذا صَريخ محمد بن أبي بكر وإخوانكم من أهل مصر، قد سار إليهم ابن النَّابغة عدوُّ الله، وعدوّ مَن والى الله، ووَليُّ مَن عاداه، فلا يكوننّ أهل الضلال والباطل أشدّ اجتماعًا منكم على ضلالهم وباطلهم، وأنتم على الحق، فاعجَلوا إليهم بالمواساة والنّصر، ألا وإن مصر أعظمُ خيرًا من الشام، وأكثر جُندًا، فلا تُغْلَبوا عليها، فإن بقاءها في أيديكم عِزٌّ لكم، وكَبْتٌ لعدوِّكم، اخرجوا إلى الجَرَعة بين الكوفة والحِيرة، وافوني غدًا هناك إن شاء الله تعالى.

فلما كان من الغد خرج يمشي، فنزلها بُكرةً، فأقام بها حتَّى انتصف النهار يومه ذلك، فلم يُوافِه منهم رجل، فرجع إلى القصر حزينًا كئيبًا، وبعث بالعَشِيّ إلى أشرافهم، فدخلوا عليه فوَبَّخهم وعَنَّفهم وقال: إن الله ابتلاني بكم أيُّها القرية (١)، وبمَن لا يُطيع إذا أَمرتُ، ومَن لا يُجيب إذا دعوت، أوليس عَجَبًا أن معاوية يَدعو الجُفاةَ الطُّغاة فيجيبونه إلى [أي] جهةٍ شاء، على غير عَطاء ولا مؤونة، وأنتم أهل النُّهى، وبَقيَّةُ الناس؛ أدعوكم فتعصونني وتخالفونني، وتختلفون علي.

فقال مالك بن كعب الهمْداني ثم الأرحبي: يا أمير المؤمنين، إنه لا عِطْرَ بعد عَروس، لمثل هذا اليوم كُنْتُ أدَّخِرُ نفسي، يا قوم، أجيبوا إمامكم، وانصروا دعوتَه، وقاتلوا عدوَّه، وأنا أسير إليها يا أمير المؤمنين.

فسار إلى مصرفي ألفين، فودَّعه علي وقال: والله ما إخالك تُدركه إلا وقد فات الأمر، فسار خمسًا، فوصل الخبر بهلاك محمد وفتوح مصر، وقدم على أمير المؤمنين رجلان من عيونه؛ أحدهما الحجَّاج بن غَزِيّة الأنصاري، كان مقيمًا بمصر، وعبد الرحمن بن شَبيب الفَزاريّ، كان مقيمًا عينًا له بالشام، فأما الأنصاري فحدّثه بمقتل محمد بن أبي بكر وما عاين، وأما الفزاري فقال: لم أخرج من الشام حتَّى قَدِمت البُشرى من قبل عمرو بن العاص بفتح مصر، ومقتل محمد، قال: يا أمير


(١) في الطبري ٥/ ١٠٧: الفرقة.