للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤمنين، فما رأيتُ قومًا أسرّ، ولا أتمَّ سرورًا من أهل الشام بهلاك محمد، فقال أمير المؤمنين: إن حُزننا عليه بقَدْر سُرورهم به، لا بل يزيد أضعافًا، وحزن على محمد حتَّى رُئي ذلك في وجهه، وقال: ما حَزِنتُ على أحدٍ، أو ما جَزِعتُ على أحدٍ مثل جَزَعي على محمد، إنه كان لي رَبيبًا، وكنتُ أعدّه وَلَدًا، وكان بي بارًّا، فعند الله أحتسبه، فعلى مثله يُحزَن.

ثم خطب الناس فقال في خطبته: ألا إن مِصر قد افتتحها الفَجَرة الظَلَمة؛ الذين صَدُّوا عن سبيل الله، وبَغَوا الإسلامَ عِوَجًا، ألا إن محمد بن أبي بكر قد استُشهد رحمة الله عليه، فعند الله نحتَسِبُه، أما والله لقد كان فيما علمتُ يَعمل للجزاء، ويحبُّ هدى المؤمنين، وقد استَصْرَخْتكم مُعلنًا، وناديتكم مُستغيثًا، فلم تسمعوا لي قولًا، ولم تُطيعوا لي أمرًا، فأنتم القوم لا يُدرَك بكم الأثْآر، ولا تُجيبون إلى غَواث. وفي رواية: ولا ترفعون العار، ولا تدفعون الشَّنار، دعوتكم إلى نصر إخوانكم منذ خمسين ليلة، فجَرْجَرْتم جَرْجَرَةَ البعير الأشدق، وتثاقلتم ثتاقُلَ مَن ليس له نيَّةٌ في الجهاد، ثم خرجتُ منكم بشِرْذِمَةٍ يسيرة، كأنما تُساقون إلى الموت، ثم قال: أفٍّ لكم، ونزل.

وقال أبو مخنف وغيره: وكتب علي إلى ابن عباس إلى البصرة يُخبره بهلاك محمد، وفتوح مصر، وأنه نَدب الناس إلى نُصرته فتثاقلوا عليه، ثم قال: أسأل الله أن يَجعل لي منهم فَرَجًا، وأن يُريحَني منهم عاجلًا.

فكتب إليه ابن عباس: أسأل الله أن يُعِزَّك بالملائكة المقَرَّبِين، فإن الله مُعينُك وناصرُك، ومُجيبُ دعوتك، وكابتُ عدوِّك، يا أمير المؤمنين، إن الناس ربما تثاقلوا ثم نَشَطوا، فارفِق بهم، ثم استعن بالله عليهم، والسلام (١).

وذكر صاحب "العقد" أن معاوية بن حُدَيج ضرب عُنق محمد بن أبي بكر، وبعث برأسه إلى معاوية، فكان أول رأسٍ طِيف به في الإسلام. وذكر في "العقد" أيضًا أن محمد بن جعفر بن أبي طالب كان بمصر مع محمد بن أبي بكر، فلما قُتل ابنُ أبي بكر لجأ محمد بن جعفر إلى أخواله من خَثْعَم، لأن أمَّه أسماء بنت عُميَس كانت خَثْعَمِيّة،


(١) الطبري ٥/ ١٠٦ - ١٠٩، ومروج الذهب ٤/ ٤٢١ - ٤٢٢، وأنساب الأشراف ٢/ ٢٩٢.