للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن (١) إسحاق: ولما لم يُعْط أحد الفريقَين لصاحبه الطاعة كتب معاوية إلى أمير المؤمنين: أما إذا أبيت فلك العراق ولي الشام، وتكُفُّ السيفَ عن دماء هذه الأمة، فأجابه أمير المؤمنين لما رأى من أهل الكوفة من النفاق، وأنهم خذلوه، وتراضيا على ذلك، وأقام أمير المؤمنين بالعراق يجبيها، ويقسم أموالها في الناس، ومعاوية يجبي الشام وما حولها.

وفيها خرج عبد الله بن عباس من البصرة ولحق بمكة، وروى هشام بن الكلبي، عن أبيه قال: كان أبو الأسود الدّيليّ مقيمًا بالبصرة؛ يطالع عليًّا بما يبدو فيها من العمال، وعلم به عبد الله بن عباس.

قال أبو مخْنَف وغيره: فمرّ ابن عباس يومًا على أبي الأسود فقال له: لو كنت من البهائم لكنت جملًا، ولو كنت راعيًا لما بلغت به المرعى، ولا أحسنتَ مهنته.

فكتب أبو الأسود إلى علي : أما بعد، فإن الله جعلك واليًا مؤتمنًا، وراعيًا مُستوليًا، وقد بلوناك فوجدْناك عظيم الأمانة، ناصحًا للرَّعية، ترفدهم وتظلف (٢) نفسَك عن دُنياهم، وإن ابن عمِّك هذا قد أكل ما تحت يديه بغير علمك، فلم يَسَعْني كتمانُك ذلك، فانظر يرحمك الله فيما هنالك والسلام.

فكتب إليه علي: أما بعد، فإن مثلك من ينصح الإمام والأمة، فلا تَدَعْ إعلامي بما يكون مما فيه صلاح الأمة، فإنه واجب عليك والسلام.

وكتب علي إلى ابن عباس في ذلك، فكتب إليه ابن عباس: أما بعد، فإن الَّذي بلَغَك باطل، وإني لما تحت يدي ضابط، وله حافظ، فلا تصدِّق الظنين، والسلام.

فكتب إليه علي: أخبرني بالذي جَبيت من الخراج والجزية، وفي أيِّ شيء وضعتَه؟ فكتب إليه ابن عباس: ابعث إلى عملك مَن أحببتَ، فإني ظاعن والسلام.

ثم دعا ابن عباس أخواله من بني هلال بن عامر، فجاءه الضحاك بن عُبيد الله (٣)،


(١) في الطبري ٥/ ١٤٠: قال زياد بن عبد الله، عن أبي إسحاق.
(٢) في (خ) و (ع): وتلطف، والمثبت من الطبري ٥/ ١٤١، وتظلف: تكف وتمنع.
(٣) في الطبري ٥/ ١٤٢، وأنساب الأشراف ٢/ ١٢٦، والعقد الفريد ٤/ ٣٥٦: الضحاك بن عبد الله.