للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو اليقظان: لما بلغ معاويةَ موتُ الحسنِ -وكان بالخضراء- كبَّر تكبيرةً سمعها أهلُ المسجد وقال: يا عجبًا للحسن، شَرِبَ شربةً من عسلٍ بماءِ رُومة -بئر بالمدينةِ- فكان فيها حَتْفُه!

وقال الهيثم: جزع الحسنُ عند الموتِ جَزَعًا شديدًا، وبكى بكاءً عظيمًا، فقال له أخوه الحسين وكان عند رأسه، يا أخي، ما هذا الجزعُ، وما هذا البكاءُ؟ وإنَّما تَقْدَمُ على رسول الله ، وعلى عليّ وجعفرٍ وخديجة وفاطمة، وقد قال لك جدُّكَ: "إنك سيِّدُ شبابِ أهلِ الجنة" وقد قاسَمْتَ الله مالك مرَّتين أو ثلاثًا، وحَجَجْتَ خَمْسَ عشرةَ حَجَّةً ماشِيًا، وفعلتَ وفعلتَ. فعدَّد سوابقَه ومكارمَه، وإنَّما أراد تطييبَ قلبه بذلك، فما زاده إلا بكاءً ونحيبًا. ثم قال: يا أخي، ألَسْتُ أقْدَمُ على هَوْل عظيم أو خَطْبٍ جسيمٍ لم أقدم على مثله قَطُّ، ولستُ أدري ما يُفْعل بي. وذكر كلامًا هذا معناه، ثم قال: اخرجوا عني، فالآن تأتيني رُسُلُ ربي (١).

وذكر الشيخ الموفق قال (٢): لما احتُضِر الحسنُ بنُ عليّ أوصى الحسينَ أخاه فقال له: يا أخي، اسمع ما أقولُ لكَ واحفظ وَصِيَّتي: إنَّ أباك لَمّا قُبِض رسولُ الله تشوَّف لهذا الأمرِ رجاءَ أن يكونَ صاحبَه، فصُرِفَ عنه إلى غيره، فلما احتُضِر ابنُ أبي قُحافة تشوَّف أن يكون صاحبَه، فصُرِف عنه إلى ابنِ الخطّاب، فلما قُتِل عمر تشوَّفَ أن يكون صاحبَه، فصُرِف إلى ابنِ عفَّان، فلما قُتِل تجرّد أبوك للطلبِ بالسيفِ فلم يُدْرِكْهُ، وأبي الله أن يجعل فينا أهلَ البيتِ النبوَّة أو الخلافةَ والدنيا (٣)، وإيّاكَ وسفهاءَ أهلِ الكوفةِ أن يستخفُّوكَ، فيُخرجوكَ فيُسْلِموكَ، فتندم ولاتَ حين مناص. وسنذكره عند مقتل الحسين .

وأنبأنا جَدِّي سماعًا عليه ببغداد في سنة ستّ وتسعين وخمسِ مئة من كتابه المسمّى بـ "الثبات عند الممات " قال: حدَّثنا إسماعيل بن أحمد بإسناده عن


(١) ينظر "مختصر تاريخ دمشق" ٧/ ٤١.
(٢) في "التبيين في أنساب القرشيين" ص ١٣٠ بنحوه، وينظر "الاستيعاب" (ترجمة الحسن ).
(٣) في "التبيين": النبوة والخلافة، بدل: النبوة أو الخلافة والدنيا.