للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأفسدَ عليك آخرتَك، بلغني أنك تقول له: يا ابنَ ذاتِ النِّطاقَين، أنا واللهِ ذاتُ النِّطاقَين، فأمَّا أحدُهما؛ فكنتُ أرفعُ به طعام رسولِ الله وطعامَ أبي بكر من الدَّوابِّ، وأما الآخرُ؛ فنِطاقُ المرأةِ لا تستغني عنه. أَمَا إنَّ رسولَ الله حدَّثَنا أنَّ في ثَقِيفٍ كذَّابًا ومُبِيرًا، فأمَّا الكذَّابُ؛ فقد رأيناه، وأمَّا المُبِير فلا إخالُك إلا إيَّاه. فقام عنها ولم يُراجِعْها. انفرد بإخراجه مسلم (١).

وقوله: عَقَبة المدينة: يريد مكة، وقُبور اليهود: ليس المراد به في الإسلام، بل في الجاهلية. [لأن اليهود كانت تسكن الحجاز قديمًا، وكان موسى قد جهَّزَ جيشًا من بني إسرائيل إلى العمالقة، فقتلوهم بمكة] (٢).

والكذَّاب الأوَّلُ: المختار، والثاني: الحجَّاج. والمُبير الفاتك.

وصلبَ الحجَّاجُ ابنَ الزُّبير على ثَنِيَّة كَدَاء بالحَجُون، وربطوا إلى جانبه هرَّةً ميِّتة، فكان ريحُ المسك يغلبُ على ريحها، فأرسلَتْ إليه أسماء: قاتلكَ الله! علامَ تصلُبُه؟! فقال: إنّي استبَقْتُ أنا وإيَّاه إلى هذه الخشبة، فسبقَني (٣).

[وقال أبو أحمد الحاكم:] وجمعَتْ أسماءُ أوصال عبدِ الله قطعةً قطعةً، فكانت تغسلُ كلَّ قطعة وتضعها في أكفانه، فأرسلَ إليها ابنُ عمر يصبِّرُها، فقالت: وما يمنعني من الصبر ورأسُ يحيى بن زكريا حُمل إلى بغيٍّ من البغايا في طَسْت؟!

وحكى ابنُ عساكر أنها حملَتْه إلى المدينة، فدفنته في دار صفيَّة بنت حُيَيّ، فزِيدَتْ تلك الدار في المسجد، فابنُ الزُّبير مدفون مع رسول الله وأبي بكر وعمر (٤).

وحكى [أيضًا] أنَّ الحجَّاج حمل رأسه إلى المدينة، ثم إلى الشام، ثم إلى خُراسان، فدُفنَ بها (٥).

ولما قتلَ الحجَّاجُ ابنَ الزبير ارتجَّتْ مكَّةُ بالبكاء، فصعد الحجَّاج المنبر وقال: يا أهل مكة، بلغني إكبارُكم واستفظاعُكم قتلَ ابنِ الزُّبير، إنَّ ابنَ الزُّبير كان من خِيار هذه


(١) صحيح مسلم (٢٥٤٥).
(٢) ما بين حاصرتين من (م).
(٣) تاريخ دمشق ص ٤٧٣. وينظر "أنساب الأشراف" ٦/ ٢٣٥، و"طبقات" ابن سعد ٦/ ٥١١.
(٤) تاريخ دمشق ص ٥٠٢.
(٥) المصدر السابق ص ٣٨٨.