للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأحبُّ الحسنين أو الختنين، وأمسحُ على الخفين، وأصلي خلف كل برٍّ وفاجر، ولا أُكَفِّر أحدًا من أهل القبلة بذنب، فقال له قتادة: عرفْتَ فالزم. وتفرَّق الناس عن قتادة.

وقال أبو مطيع: كان ابن المبارك يقول إذا ذُكر أبو حنيفة: ما يُقال في رجل عُرِضت عليه الدنيا والأموالُ الجليلة فردَّها. وقد ذكرنا أنَّ أبا جعفر أعطاهُ مالًا فلم يقبله.

فصل: فأمَّا جودُه وسماحتُه وكرم أخلاقه:

رَوى الخطيب عن قيس بن الربيع قال: كان أبو حنيفة رجلًا ورعًا فقيهًا محسودًا، وكان كثير الصلةِ والبرِّ لكلِّ من جاء إليه، كثير الإفضالِ على إخوانه (١).

وقال قيس بن الربيع: كان أبو حنيفة يبعثُ بالبضائع إلى بغداد، فيشتري بها الأمتعة وما يحتاجُ إليه الشيوخُ المحدِّثين والفقهاء والزهَّاد، ويدفعُ إليهم النفقات، ويقول: احمدوا الله تعالى، فإنِّي ما أعطيتُكم من مالي شيئًا، هذه أرباحُ بضائع أَجرى الله أرزاقَكُم منها على يدي (٢).

وروى الخطيب عن شيخٍ سمَّاه أبو سعيد الكندي قال: كان أبو حنيفة يبيع الخَزَّ، فجاءه رجلٌ فقال: يا أبا حنيفة، قد احتجتُ إلى ثوب خَزٍّ، فقال: ما لونه؟ قال: كذا وكذا، قال: اصبر حتى يقع وآخذه لك، فما دارت الجمعة حتى وقعَ، فجاء الرجل، فقال له أبو حنيفة: قد وقعت حاجتُك، ثم أخرج إليه ثوبًا فأعجبه، فقال: يا أبا حنيفة كم أزن للغُلام، فقال: درهمًا، فقال: أتهزأ بي؟ فقال: لا والله، إنِّي اشتريتُ ثوبين بعشرين دينارًا ودرهمًا، فبعتُ أحدَهما بعشرين دينارًا، وبقي هذا بدرهم، وما كنتُ لأربحَ على صديقٍ، فأخذه (٣).

وروي عن أبي يوسف ورواه الخطيب عن أبي مطيع عن أبي حنيفة قال: دخلتُ على أبي جعفر فقال: يا أبا حنيفة، عمَّن أخذتَ العلم؟ قلت: عن حماد بن أبي سليمان


(١) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٩٢.
(٢) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٩٣. قال محققه: إسناده تالف، فيه أحمد بن عطية هو الحماني الكذاب، ومتن الخبر منكر، فأين كانت بغداد، وإنما قدمها أبو حنيفة عند تأسيسها، وتوفي ولم تكن قد أصبحت مدينة حضرية فيها الأسواق.
(٣) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٩٥.