للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا المنيَّةُ أَنشبت مِخلابَها … أَلفيتَ كلَّ تميمةٍ لا تَنفعُ (١)

فقالت: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيظَ﴾ [آل عمران: ١٣٤] الآية، [فأطرق هارونُ مليًّا، ثم] (٢) أَنشد: [من الطويل]

إذا انصرَفَت نفسي عن الشيءِ لم تَكَدْ … إليه بوجهٍ آخِرَ الدهرِ تُقْبِلُ

فقالت: وهو القائل:

ستُقطَع في الدُّنيا إذا ما قطعتَني … يمينُك فانظر أيَّ كفٍّ تبدَّلُ (٣)

فقال: قد رضيت. فلم تزل تُرَقِّقه (٤)، وأَنشدت: [من الكامل]

وإذا افتَقَرْتَ إلى الذَّخائر لم تجدْ … ذُخْرًا يكون كَصالح الأَعمالِ (٥)

فقال: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ [الروم: ٤] فلما آيسها، أخرجت حُقًّا (٦) من زمرُّد أخضر، فوضعته بين يديه وفتحت عنه قُفلًا من ذهب، فأخرجت منه ثناياه وذؤابتَه وخَفْضَتَه، وقد غَمَست الجميعَ في المِسك، وقالت: هذه ثناياك وذؤابتُك، وأنا أتشفَّع بها إليك في يحيى، فلثمه هارونُ واستعبر باكيًا، وبكى أهلُ المجلس، ولا يُظنُّ ذلك البكاءُ إلا رحمةً ليحيى، وسبق البشيرُ إلى يحيى، ثم أعاد هارونُ الجميعَ إلى الحُقِّ وقال لها: بحسن ما حفظتِ الوديعة، فقالت: وأنت أهلٌ للخير والمكافأة، فأَعاد إليها الحُقَّ ثم قال: أَشتريه منك؟ قالت: نعم، قال: بكم؟ قالت: بعفوك عمَّن لم يُسخطْك قطّ، فقال: أما لي عليك من الحَقِّ مثلُ الذي لهم، قالت: بلى، لكن أنت أعزُّ عليَّ منهم وهم أحبُّ إليَّ منك، قال: فتسلِّي بثمن الحُقِّ مهما أردتِ عنهم، فوَجَمَتْ، ورَمَت الحُقَّ بين يديه وقالت: قد وهبتُه لك، وقامت فخرجت، وبقي مبهوتًا لا يُحير جوابًا.


(١) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، وهو في ديوان الهذليين ص ٣، وروايته: أنشبت أظفارها.
(٢) ما بين معكوفين من العقد ٥/ ٦٣.
(٣) البيتان من قصيدة لمعن بن أوس. انظر معجم الشعراء ص ٣٢٣، والخزانة ٨/ ٢٩٢.
(٤) من قوله: وأنشد: إذا انصرفت، إلى هنا ليس في (ب).
(٥) البيت للأخطل، وهو في ديوانه ص ١٥٨.
(٦) الحقة: الوعاء من خشب. القاموس المحيط (حقق).