للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال طارقٌ الخادم: لما همَّ محمَّد بالخروج إلى هَرْثَمَةَ عطش، فطلبت له ماء فلم أجده، ولمَّا أمسى ركب يريد هَرْثَمَة وبين يديه شَمْعَة، فقال: اسقني من جِباب الحَرَس، فناولتُه كُوزًا، فعافه لزُهومَته ولم يشرب، وصار إلى هَرْثَمَة، فوثب به طاهر، فلمَّا صار في الحَرَّاقة، رمَوه بالسِّهام والحجارة، فانكفأت الحرَّاقة، فغرق محمَّد وهَرْثَمَة، فسبَح محمَّد حتى عبر إلى بستان موسى، وظنَّ أن غرقَه كان حيلةً عليه، ولما صار إلى قرب الصَّراة (١)، وكان على مَسْلَحة طاهرٍ إبراهيمُ بن [جعفر] (٢) البَلْخيّ، ومحمَّد بن حُمَيد ابنُ أخي شَكلة، فعرفه، فنزل هو وأصحابه فأخذوه، وحملوه على بِرذَونٍ، وألقَوا عليه إزارًا، وأردفوا خلفه رجلًا يُمسكه، وصاروا به إلى منزل إبراهيمَ البلخي.

قال خطاب بنُ زياد: وبادر طاهرٌ إلى بستان مؤنسة بإزاء بابِ الأنبار موضع عسكره؛ لئلَّا يُتَّهم بغرق هَرْثَمَة، فلحقه محمَّد بنُ حميد، فدنا من طاهرٍ وأخبره أنَّه أسر محمَّدًا، وأنه في منزل إبراهيمَ البلخي، فدعا طاهرٌ مولًى له يقال له: قُريش الدَّنْداني، فأمره بقتل محمَّد.

وقال محمَّد بنُ عيسى الجُلوديّ: لما عزم محمَّد على الخروج إلى هَرْثَمَةَ، تهيَّأ بعد العشاءِ الآخرة ليلةَ الأحد، فجلس في صَحْن القصرِ على كرسي، وعليه ثياب بَيَاض وطَيلَسانٌ أسود، وبين يديه جماعةٌ بالأعمدة، فجاء كتلةُ الخادم فقال: أبو حاتم يُقرئك السلام -يعني هَرْثَمَة- ويقول: قد وافيتُ لميعادك إلى المكان، ولكنِّي أرى ألا تخرجَ الليلة، فإنِّي قد رأيت في دجلةَ على الشطِّ أمرًا قد رابني، ولكن أقم الليلةَ مكانَك حتى أرجعَ، فأستعدَّ ثم آتيك القابلةَ ومعي رجالي، فإن حوربتُ دونك حاربت ومعي رجالٌ وعُدَّتي. فقال له محمَّد: ارجعْ إليه وقيل له: لا تَبْرَحْ، فإني خارجٌ الساعةَ لا مَحالة، ولست أقيم إلى غدٍ وقد تفرَّق عني أصحابي.

ودعا بفرسٍ أدْهَمَ أغرَّ (٣) مُحَجَّل كان يُسمِّيه الزُّهيري (٤)، ثم دعا بابنيه، فضمَّهما


(١) في (خ): قرن الغراة، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٤٨٢.
(٢) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٨/ ٤٨٢، والمنتظم ١٠/ ٤٧.
(٣) في (خ): وادعى … مغر، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٤٨٣.
(٤) كذا في مروج الذهب ٦/ ٤٧٦، وتاريخ الإِسلام ٤/ ١٠٥١، وفي تاريخ الطبري: الزهريّ.