للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه وشمَّهما وقبَّلهما وبكى، وقال: أستودعكما الله، ثم ركب وخرج بين يديه شمعة، فنزل إلى الشطِّ، وركب في الحرَّاقة مع هَرْثَمَة.

قال أحمد بنُ سلام صاحبُ المظالم: كنت مع هَرْثَمَةَ فيمن كان معه من القوَّاد في الحرَّاقة، فلما دخل محمَّد الحراقةَ قمنا إعظامًا له، وجثا هَرْثَمَةُ على ركبتيه وقال له: يا سيِّدي، لا أقدر على القيام؟ للنِّقْرِس (١) الذي بي، فاحتضنه وصيَّره في حجره، وجعل يقبِّل يديه ورِجليه وعينيه ويقول: يا سيِّدي ومولاي وابن مولاي. وأمر هَرْثَمَةُ بالحراقة أن تُدفع، فبينا نحن على ذلك، إذ شدَّ علينا أصحابُ طاهرٍ في الزَّواريق والسّفن، ورمَوا بالنّشَّاب والحجارة، فانكفأت الحرَّاقة، فغرق هَرْثَمَةُ وغرق محمَّد، فأما هَرْثَمَةُ فإنَّ الملَّاح تعلَّق بشَعره فأخرجه، وأما محمَّد فشق ثيابه وسبح.

قال أحمد بنُ سلام: وتعلق بي رجلٌ من أصحاب طاهر، فمضى بي إلى رجلٍ قاعد على شاطئ دجلةَ على كرسيٍّ من حديدٍ وبين يديه نارٌ توقد، فقال الذي أخذني: هذا كان في الحرَّاقة فيمن غرقَ فأخذته، فقال لي الرجل: من أنت؟ قلت: من أصحاب هَرْثَمَة، أنا أحمد بنُ سلامٍ مولى أميرِ المؤمنين صاحبُ المظالم، فقال: كذبتَ فاصدقني، فقلت: قد صدقتك، قال: فما فعل المخلوع؟ قلت: رأيته شقَّ ثيابَه ورمى بنفسه في الماء، قال: فركب دابَّته، وجعل في عُنقي حَبْلًا، وجنبوني إلى جانب رجل، ومضى وأنا أعدو، فتعبتُ من العَدْو، فقمت، فقال الذي يجنبني: قد قام الرجلُ وليس فيه ما يَعْدو (٢)، فقال: أنزل حُزَّ رأسه، فقلت: لمَ تقتلني وأنا رجل من الله في نعمةٍ ولا أقدر على العَدْو؟! وأنا أفدي نفسي بعشرة آلاف درهم، قال: وكيف لي بها؟ قلت: تحبسني عندك حتى أُرسلَ إلى وكيلي في عسكر المهديِّ في منزلي يحملها إليك، وإن لم آتِك فاضرب عنقي، فقال: قد أنصفت.

ثم مضى بي [إلى] دار أبي صالح الكاتب، فأدخلني الدار، وأمر غلمانه أن يحتفظوا بي، وتفهَّم مني خبرَ محمَّد ووقوعَه في الماء، ومضى إلى طاهرٍ يُخبره خبرَه، فإذا هو إبراهيمُ البلخي.


(١) النقرس: ورم ووجع في مفاصل الكعبين وأصابع الرجلين. القاموس المحيط (نقرس).
(٢) في تاريخ الطبري ٨/ ٤٨٥: قد قام هذا الرجل وليس يعدو.