للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتب الحديثَ قويت حجَّته، ومن لم يَصُن نفسَه لم ينفعْه علمُه.

[وحكى الربيعُ عنه أنه] قال: ما أوردتُ الحجَّة على أحدٍ فقبلها مني إلَّا هبتُه، ولا دفع الحجَّةَ وكابرني إلَّا سقط من عيني، وما ناظرت أحدًا فأحببتُ أن يخطئ، إلا صاحبَ بدعة؛ فإني أحبُّ أن ينكشفَ أمرُه إلى الناس.

[ذِكرُ شدَّته على أهل البدع واعتقادِه:

ذكر الكرابيسيُّ عن الشافعيِّ أنه] ناظر حفصًا الفردَ فقال له: ما تقول في القرآن؟ فقال حفص: مخلوق، فقال له الشافعيّ: كذبتَ وكفرتَ بالله العظيم. [قال]: وكان الشافعيُّ يقول. واللهِ لقد سمعت من حفص -قاتلَه الله- كلامًا ما سمعتُه من أحدٍ قطّ، ولا أفلح صاحبُ كلامٍ قطّ، ورأيي في أهل الكلامِ والبدعِ أن يركبوا على الجِمال ويُضربوا بالجريد، ويطافَ بهم في القبائل ويقال: هذا جزاءُ مَن عدل عن كتاب اللهِ وسنَّة نبيِّه إلى علم الكلام.

وقال [أبو إسحاقَ الثعلبيُّ بإسناده إلى] (١) الربيع بنِ سليمان: كنت ذاتَ يوم عند الشافعيِّ وجاءه كتابٌ من الصعيد يسألونه عن قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)[المطففين: ١٥].

فكتب فيه: لمَّا حجب عنه أقوامًا بالسَّخط، دلَّ على أنَّ أقوامًا يَرَوْنَهُ بالرِّضا، فقلت: أَتدين بهذا أو توقن به لا سيِّدي؟ فقال: واللهِ لو لم يوقنْ (٢) محمد بنُ إدريسَ أنه يرى ربَّه في المعاد لَمَا عبده في الدنيا.

قال المصنِّف : والشافعيُّ إنَّما أخذ هذا المعنى من مالك بنِ أنس؛ فإنَّه قال في تفسير هذه الآية: لمَّا حجب أعداءَه فلم يَرَوْهُ، تجلَّى لأوليائه حتى رَأَوْهُ. [وقد حكاه الثعلبيُّ أيضًا، إلا أنَّ قول الشافعيِّ وقولَ مالكٍ أوجز.

وحكى الثعلبيُّ عن] الحسين بنِ الفضل البَجَليِّ أنه قال (٣): لمَّا حجبهم في الدنيا عن توحيده، حجبهم في الآخرة عن رؤيته.


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) في (خ): يؤمن.
(٣) في (خ): وقال الحسين بن الفضل البجلي، وما سلف نقله عن الثعلبي هو في تفسيره ٦/ ٤٠٣ - ٤٠٤.