للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أراد أن يضاهيَني ويصغِّرَ معروفي عنده! فقال أحمد: يا أميرَ المؤمنين، لو لم يفعلْ هذا لكان ينبغي أن يسقطَ حالُه عندك، قال: وكيف؟! قال: أراد أن ينتشرَ في ملوك الأممِ أنَّ بعضَ خدمك اتَّسع قلبُه لهبة هذا المالِ الذي هو من جُملة إِحسانك، فيزيدَ ذلك في جلال الدَّولة، فيذلَّ أعداؤك الذي يكاثرونك (١)، قال: صدقتَ، ورضي عنه.

وقال يحيى بنُ خاقان: أَلزمني المأمونُ بخمسة آلافِ ألفِ درهم، فأخبرته أنِّي لا أملك إلا سبعَ مئةِ ألفِ درهم، وحلفت له على ذلك بالأَيمان المغلَّظة، فلم يصدِّقني، وحبسني عند أحمدَ بنِ هشام، وكان بيني وبينه شرٌّ قد اشتهر، وكان على الحرس، فقال أحمدُ للموكَّلين بي: احفظوه لا يَسمَّ نفسَه، وبلغ المأمونَ ففطن لمراده، فقال: يا أحمد، لا يأكلْ يحيى بنُ خاقانَ ولا يشرب إلَّا ما يؤتَى به من منزله، قال يحيى: فأرسلتُ إلى جماعة، فبعث إليَّ الحسنُ بن سهل وفَرَجٌ الرُّخَّجي وحُميد الطوسيٌّ بثلاثة آلافِ ألفِ درهم، كلُّ واحدٍ بألف ألفِ درهم، فأضفتُ ذلك إلى ما عندي، فكَمُلت خمسةَ آلافِ ألفِ درهم، وكتبت إلى المأمون أعرِّفه، وكان عنده أحمدُ بن أبي خالدٍ وعَمرو بن مَسعدةَ وعليُّ بن هشام، فأَحضرني وقال: ألست الحالفَ لي أنَّك لا تقدر إلَّا على سبع مئةِ ألفِ درهم؟! فمن أين لك هذا المال؟! فقصصتُ عليه القصَّة، فأطرق طويلًا ثمَّ رفع رأسه وقال: قد وهبتُ لك المال، فقال له مَن حضر: أَتهب له هذا المال وليس في خزائنك درهم! قال: نعم، قالوا: خذْ منه قرضًا، وإذا جاءك مالٌ رددتَ عوضه، فقال: أنا أَقدَرُ على المال من يحيى، ولا أرجعُ فيما وهبت. قال يحيى: فقمتُ فرددت على القوم أموالهم وفرَّج اللهُ عني.

وسعى إليه محمدُ بن يَزداد بعَمرو بنِ بهبوبا (٢) أنَّه أخذ الأموال، فقال المأمونُ للفضل بنِ مروان: خُذ عَمرًا إليك فقيِّده وضيِّق عليه ليؤدِّي ما اختانه من المال، قال


(١) اختصر المؤلف هنا كلام أحمد بن أبي خالد اختصارًا مخلًّا، والقصة في الفرج بعد الشدة ١/ ٣٨٤ - ٣٨٦، وفيها أنَّه قال له: لو استأثر به على أحمد بن عروة وأخذ أحمد بأداء هذا المال، لكان قد أخرجه من معروفك صفرًا، ولما كانت نعمتك على عمرو نعمة على أحمد وهما خادماك، فكان الأجمل أن يتضاعف معروفك عندهما. . ." إلخ.
(٢) في الفرج بعد الشدة ٢/ ١٢٧: بهنوى.