للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أولئك قومي بعد عزٍّ وثروةٍ … تفانَوا فإلَّا أَذرف الدمع (١) أَكْمَدِ

فقار له المأمون: يا ابنَ الفاعلة، لم تجدْ وقتًا تذكر فيه مواليك إلَّا هذا الوقت! وسخط عليه [أيامًا] (٢) ثم رضي عنه (٣). فأحضره ومعه مُخارق، فقال لمخارق: غَنِّ، فقال -والأبياتُ لجرير-: [من البسيط]

لمَّا تذكَّرتُ بالدَّيرينِ أَرَّقني … صوتُ الدَّجاجِ وقَرعٌ بالنَّواقيسِ

فقلتُ للرَّكب إذ جدُّوا الرحيلَ بنا … يا بُعدَ يَبْرِينَ من باب الفَراديس (٤)

فقال لعلُّويه: غَنِّ، فقال: [من الكامل]

الحَينُ ساق إلى دمشقَ وما … كانتْ دمشقُ لأَهلنا وطنا (٥)

فضرب [المأمونُ] (٦) الأرضَ بالقَدَح فكسره، وقال: هذا واللهِ آخرُ عهدي بالعراق (٧)، لا عُدْتُ إليه أبدًا، فكان كما قال.

وقال محمدُ بن حامد: حضرتُ مجلسَ المأمون، [فغنَّت عَرِيب:

كحاشية البُرد اليماني المسهَّمِ (٨)

فأنكر المأمونُ كونَها لم تذكر أوَّل البيت، وهو للنابغة:

رمى ضَرْعَ نابٍ فاستمرَّ بطعنةٍ … كحاشيةِ البُرد ............. ]

فقال المأمون: مَن أشار منكم إلى عَرِيبٍ بشيء؟ فسكتوا، فقال: برئتُ من هارونَ لئن لم أُصدَق عن هذا الأمر، لأُعاقبنَّ عليه بالضرب الوجيع، ولئن صَدَقني لأُبلغنَّه أَملَه، فقلت: أنا أشرتُ إليها بقُبلة، فقالط: الآن جاء الحقّ، أَتحبُّ أن أزوِّجَك إياها؟


(١) في (خ) و (ف): النفع، والمثبت من (ب)، وفي تاريخ الطبري والأغاني ٤/ ٣٥٣: العين. والبيت لأبي سعيد مولى فائد، المعروف بابن أبي سنة، كما في الأغاني.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) بعدها في (ب): وحكي عن العتبي أنَّه قال: كان الأمون يقول الشعر، وهو من أدنى فضائله.
(٤) الديوان ص ٢٤٩ - ٢٥٠ (دار صادر).
(٥) في تاريخ الطبري ٨/ ٦٦٦، والأغاني ١١/ ٣٥٨، وديوان عمر بن أبي ربيعة ص ٣٢٨: بلدا.
(٦) ما بين حاصرتين من (ف).
(٧) كذا في (خ) و (ف)، والصواب: بالشام.
(٨) هو النابغة الجعدي، والبيت في ديوانه ص ١٤٣، وما بين حاصرتين من (ف). وكلام المصنف هنا يخالف ما في الأغاني ٢١/ ٧٠ - ٧١ حيث ذكر أن الأمون أنكر عليها ابتداءها الغناء من تلقاء نفسها.