للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يفنَ أجلُه، إذ لو فنيَ أجلُه لما عاش، فكان ذلك من باب الكرامات، يجري الله على يديها هذا، فما ظنُّكم بالشيخ (١).

ذكر نبذة من كلامه:

حكى عنه فِي "المناقب" قال: اعتللت علَّةً بطرَسُوس، وكانت علَّة الذَّرَب، فدخل عليَّ جماعة من ثقلاء القرَّاء يعودوني، فأطالوا الجلوسَ، فآذاني ذلك، فقالوا: إن رأيت أن تدعو لنا، فمددتُ يدي وقلت: اللهمّ علِّمنا كيف نعودُ المرضى، فقاموا (٢).

وحكى أيضًا عن الجنيد قال:] (٣) دخلتُ يومًا على سريّ، فوجدتُه متغيِّرَ اللون، فقلت له: ما لك؟ قال: دخل عليَّ شابٌّ، فسألني عن التوبة، فقلت: أن لا تنسى ذنبَك، فعارضني وقال: بل التوبةُ أنْ تنسى ذنبَك، قال الجنيد: فقلت: الأمرُ عندي على ما قال الشاب، قال: ولم؟ قلت: لأني إذا كُنْتُ فِي حال الجفاء، فنقلني إلى [حال] الصَّفاء، فذكرُ الجفاء في حال الصفاء جفاء، فسكت (٤).

[قلت: الأمرُ على ما قال سريّ؛ لأنَّه ليس من لوازم أحوال الصفاء أن (لا) (٥) يذكر فيها أوقات الجفاء، وقد رأينا أناسًا نسوا ذنوبهم، قطعوا وحاروا، وأقوامًا جعلوا ذنوبهم مرآةً بين أعينهم كيف ما دارت داروا. والأَولى أن يكون الإنسان طول دهره على وجل، ولا يسلك به الغرورُ سبيلَ الأمل، وما زال الخائفون على هذا.

وحكى أبو عبد الرَّحمن السلميُّ عن سريٍّ أنَّه قال:] (٦) من أراد أن يسلمَ له دينُه، ويستريحَ قلبُه وبدنُه، ويقلَّ غمُّه، فليعتزل النَّاس، فإنَّه زمانُ عزلةٍ ووحدة (٧).

[قال:] وقال: اللهمَّ إن عذَّبتني، فلا تعذِّبني بذلِّ الحجاب (٨).


(١) مناقب الأبرار ١/ ١٥٩ - ١٦٠.
(٢) انظر حلية الأولياء ١٠/ ١٢٢، ومناقب الأبرار ١/ ١٥٣ - ١٥٤.
(٣) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال الجنيد.
(٤) مناقب الأبرار ١/ ١٥٤ - ١٥٥، والرسالة القشيرية ص ١٧٢.
(٥) ما بين قوسين زيادة يقتضيها السياق.
(٦) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال سري.
(٧) طبقات الصوفية ص ٥٠.
(٨) طبقات الصوفية ص ٥١.