للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ الله قد ائتَمَنَك على عباده وبلاده، تؤدِّي الأمانة، وتُفيض العَدْل، وتحكم بالحق، أفلا أأتمنك أنا على جزء من مالي؟ فدمعت عيناه وقال: انصرف فقد وفَّر الله عليك مالك وأغنانا عن القرض منك، ومتى كانت لك حاجة فحِجابُنا مرفوع عنك [ولم يقترض منه شيئًا].

وقال محمَّد بن حَمْدون: خرج (١) المعتضد يومًا فعسكر بباب الشماسية، ونهى أن يأخذ أحدٌ من بستان أحدٍ شيئًا، فأتي بأسود قد أخذ عَذْقًا من البُسْر، فأمر بضرب عُنقه، ثمَّ التفت إلى أصحابه وقال: تقول العامَّة: ما في الدنيا أقسى قلبًا من الخليفة، ولا أقلَّ دينًا منه، والنبيُّ يقول: "لا قَطْع في كَثَرٍ ولا ثَمَر (٢) " وما رضي بقطعه حتَّى قتله، والله ما قتلتُه بهذا السبب، ولكن لي مع هذا الأسود قصَّة عجيبة.

استأمن هذا الأسود إلى أبي من عسكر الزَّنج، فخلع عليه أبي ووصله، وقصد أن يستميل به الزَّنج، فرأيتُه يومًا وقد نازع رجلًا في شيء، فضربه بفاس فقتله، فأهدر أبي دمَ المقتول، وأطلق الأسود ليتألَّف به الزَّنج، فاغتظتُ، وقلت: ترى أتمكّن من هذا الأسود وأنفذ حكم الله فيه، وطلبتُه فلم أقدر عليه، ووالله ما وقعت عيني عليه إلا في هذه الساعة، فقتلته بذلك الرجل (٣).

ذكر ما عُزي إليه من الأشعار:

ومنها: [مجزوء الرمل]

غَلَب الشَّوقُ رُقادي … مثل غلْبي للأعادي

ها هنا جسمي مُقيمٌ … وببغدادَ فؤادي

أملكُ الأرض ولكن … تملكُ الخَودُ قيادي

هكذا كلُّ مُحِبٍّ … باع نومًا بسُهاد (٤)


(١) في (ف م ١): حديث المعتضد مع أسود آخر حكى محمَّد بن حمدون قال خرج، والمثبت من (خ).
(٢) أخرجه أحمد (١٥٨٠٤)، وأبو داود (٤٣٨٨)، والترمذي (١٤٤٩)، والنسائي ٨/ ٨٧ - ٨٨، وفي الكبرى (٧٤٠٧)، وابن ماجه (٢٥٩٣) من حديث رافع بن خديج .
(٣) من هنا إلى وفاة المعتضد ليس في (ف) و (م ١)، والأخبار الثلاثة في المنتظم ١٢/ ٣٢٤ - ٣٢.
(٤) ذكر هذه الأبيات ابن العديم في بغية الطلب ٢/ ٨٢٠.