للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فَقَالَ الْوَاقِدِيّ: حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ. عن مروان بن أبى سعيد ابن المعلّى، قال: قيل لأمّ عمارة: هل كنّ نساء قريش يَوْمَئِذٍ يُقَاتِلْنَ مَعَ أَزْوَاجِهِنّ؟ فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاَللهِ، مَا رَأَيْت امْرَأَةً مِنْهُنّ رَمَتْ بِسَهْمٍ وَلَا بِحَجَرٍ، وَلَكِنْ رَأَيْت مَعَهُنّ الدّفَافَ وَالْأَكْبَارَ، يَضْرِبْنَ وَيُذَكّرْنَ الْقَوْمَ قَتْلَى بَدْرٍ، وَمَعَهُنّ مَكَاحِلُ وَمَرَاوِدُ، فَكُلّمَا وَلّى رَجُلٌ أَوْ تَكَعْكَعَ [ (١) ] نَاوَلَتْهُ إحْدَاهُنّ مِرْوَدًا وَمُكْحُلَةً وَيَقُلْنَ: إنّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ! وَلَقَدْ رَأَيْتهنّ وَلّيْنَ مُنْهَزِمَاتٍ مُشَمّرَاتٍ- وَلَهَا عَنْهُنّ الرّجَالُ أَصْحَابُ الْخَيْلِ، وَنَجَوْا عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ- يَتْبَعْنَ الرّجَالَ عَلَى الْأَقْدَامِ، فَجَعَلْنَ يَسْقُطْنَ فِي الطّرِيقِ. وَلَقَدْ رَأَيْت هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ، وَكَانَتْ امْرَأَةً ثَقِيلَةً وَلَهَا خَلْقٌ، قَاعِدَةً خَاشِيَةً مِنْ الْخَيْلِ مَا بِهَا مَشْيٌ، وَمَعَهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى، حَتّى كَرّ [ (٢) ] الْقَوْمُ عَلَيْنَا فَأَصَابُوا مِنّا مَا أَصَابُوا، فَعِنْدَ اللهِ نَحْتَسِبُ مَا أَصَابَنَا يَوْمَئِذٍ مِنْ قِبَلِ الرّمَاةِ وَمَعْصِيَتِهِمْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ الْوَاقِدِيّ: حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابن أبي صعصعة، عن الحارث بن عبد الله، قال: سمعت عبد الله بن زيد ابن عاصم يقول: شهدت أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمّا تَفَرّقَ النّاسُ عَنْهُ دَنَوْت مِنْهُ، وَأُمّي تَذُبّ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أُمّ عُمَارَةَ! قُلْت:

نَعَمْ. قَالَ: ارْمِ! فَرَمَيْت بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِحَجَرٍ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ، فَأَصَبْت [ (٣) ] عَيْنَ الْفَرَسِ فَاضْطَرَبَ الْفَرَسُ حَتّى وَقَعَ هُوَ وَصَاحِبُهُ، وَجَعَلْت أَعْلُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتّى نَضَدْت عَلَيْهِ مِنْهَا

وِقْرًا [ (٤) ] ، وَالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ وَيَتَبَسّمُ، فَنَظَرَ إلَى جُرْحٍ بِأُمّي على عاتقها فقال: أمّك، أمّك!


[ (١) ] تكعكع: أحجم وتأخر إلى وراء. (النهاية، ج ٤، ص ٢٣) .
[ (٢) ] فى ح: «حتى كثر القوم» .
[ (٣) ] فى ح: «فأصيبت» .
[ (٤) ] الوقر: الحمل. (النهاية، ج ٤، ص ٢٢٤) .