للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الرسول الملكى تارة، وإلى البشرى أخرى، وإضافته إليهما إضافة تبليغ، لا إضافة إنشاء من عندهما، ولفظ «الرسول» يدل على ذلك، فإن الرسول هو الذى يبلغ كلام من أرسله، فهذا صريح فى أنه كلام من أرسل جبريل ومحمدا- صلى الله عليه وسلم-، فجبريل تلقاه عن الله، ومحمد- صلى الله عليه وسلم- تلقاه عن جبريل.

وقد وصف الله تعالى رسوله الملكى فى هذه السورة بأنه كريم يعطى أفضل العطايا، وهى العلم والمعرفة والهداية والبر والإرشاد، وهذا غاية الكرم. «ذو قوة» كما قال فى النجم: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى «١» فيمنع بقوته الشياطين أن يدنوا منه وأن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه، وروى أنه رفع قريات قوم لوط الأربع على قوادم جناحه حتى سمع أهل السماء نباح كلابها وأصوات بنيها.

عند ذى العرش مكين، أى متمكن المنزلة، وهذه العندية عندية الإكرام والتشريف والتعظيم. مطاع ثم، فى ملائكة الله المقربين، يصدرون عن أمره ويرجعون إلى رأيه، أمين على وحى الله ورسالته، فقد عصمه الله من الخيانة والزلل.

فهذه خمس صفات تتضمن تزكية سند القرآن، وأنه سماع محمد- صلى الله عليه وسلم- من جبريل، وسماع جبريل من رب العالمين، فناهيك بهذا السند علوّا وجلالة، فقد تولى الله تزكيته بنفسه، ثم نزه رسوله البشرى وزكاه مما يقول فيه أعداؤه، فقال: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ «٢» وهذا أمر يعلمونه ولا يشكون فيه، وإن قالوا بألسنتهم خلافه فهم يعلمون أنهم كاذبون.

ثم أخبر عن رؤيته- صلى الله عليه وسلم- لجبريل- عليه السّلام-، وهذا يتضمن أنه ملك موجود فى الخارج يرى بالعيان ويدرك بالبصر، خلافا لقوم؛ فحقيقته عندهم أنه خيال موجود فى الأذهان لا فى العيان، وهذا مما خالفوا فيه جميع الرسل وأتباعهم، وخرجوا به عن جميع الملل، ولهذا كان تقرير رؤية النبى- صلى الله عليه وسلم- لجبريل أهم من تقرير رؤيته لربه تبارك وتعالى، فإن رؤيته- صلى الله عليه وسلم- لجبريل هى


(١) سورة النجم: ٥.
(٢) سورة التكوير: ٢٢.